فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِيهِۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (191)

{ واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين } .

{ واقتلوهم حيث ثقفتموهم } يقال ثقف يثقف ثقفا ؛ ورجل ثقيف إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور قال في الكشاف : والثقف وجود على وجه الأخذ والغلبة ، ومنه رجل ثقف سريع الأخذ لقرانه انتهى .

قال أبو السعود : أصل الثقف الحذق في إدراك الشيء علما أو عملا وفيه معنى الغلبة . قال ابن جرير : الخطاب للمهاجرين والضمير لكفار قريش انتهى . والمعنى اقتلوهم حيث وجدتموهم وأدركتموهم في الحل والحرم وإن لم يبتدؤوكم ، وتحقيق القول فيه أن الله تعالى أمر بالجهاد في الآية الأولى بشرط إقدام الكفار على القتال ، وفي هذه الآية أمرهم بالجهاد معهم سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا واستثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام .

{ وأخرجوهم من حيث أخرجوكم } أي أخرجوهم من مكة ، وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه فأخرج من مكة من لم يسلم عند أن فتحها الله عليه { والفتنة أشد من القتل } أي الفتنة التي أرادوا أن يفتنوكم بها وهي رجوعكم إلى الكفر أشد من القتل ، وقيل المراد بالفتنة الشرك الذي عليه المشركون لأنهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم ، فأخبرهم الله أن الشرك الذي هم عليه أشد مما يستعظمونه وقيل المراد فتنتهم إياكم بصدكم عن المسجد الحرام أشد من قتلكم إياهم في الحرم أو من قتلهم إياكم إن قتلوكم والظاهر أن المراد بالفتنة في الدين أي سبب كان وعلى أي صورة اتفق فإنها أشد من القتل لأنه يؤدي إلى الخلود في النار والقتل ليس كذلك ولذا جعل أشد منه .

{ ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه } اختلف أهل العلم في ذلك فذهبت طائفة إلى أنها محكمة وأنه لا يجوز القتال في الحرم إلا بعد أن يتعدى متعد بالقتال فيه فإنه يجوز دفعه بالمقاتلة له ، وهذا هو الحق وقالت طائفة أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ويجاب عن هذا الاستدلال بأن الجمع ممكن هنا ببناء العام على الخاص فيقتل المشرك حيث وجد إلا بالحرم ، ومما يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنها لم تحل لأحد قبله وإنها أحلت لي ساعة من نهار ) وهو في الصحيح{[186]} .

وقد احتج القائلون بالنسخ بقتله صلى الله عليه وسلم لابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ، ويجاب عنه بأنه وقع في تلك الساعة التي أحل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم .

{ فإن قاتلوكم } أي في المسجد الحرام ، هذا مفهوم الغاية { فاقتلوهم } أي فقاتلوهم { كذلك } أي القتل والإخراج { جزاء الكافرين } مطلقا بأن يفعل بهم مثل ما فعلوا بغيرهم ، فثبت بهذا تحريم القتال في الحرم إلا أن يقاتلوا فيقاتلوا ويكون دفعا لهم


[186]:سبق ذكره