( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) لما أمر سبحانه بالقتال والجهاد أمر بالإنفاق في ذلك ، وإقراض الله مثل لتقديم العمل الصالح الذي يستحق به فاعله الثواب ، وأصل القرض انه إسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء ، يقال أقرض فلانا فلانا أي أعطاه ما يتجازاه ، وقال الزجاج : القرض في اللغة البلاء الحسن والبلاء السيء .
وقال الكسائي : القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيء ، وأصل الكلمة القطع ومنه المقراض .
واستدعاء القرض في الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه ، والله هو الغني الحميد ، شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه اعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء .
وقيل كنى عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبا في الصدقة كما كنى عن المريض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة عن النقائص والآلام ، ففي الحديث الصحيح إخبار عن الله عز وجل " يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني ، قال يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي " وكذا فيما قبله أخرجه مسلم والبخاري وهذا كله خرج مخرج التشريف لمن كنى عنه ترغيبا لمن خوطب به .
وقوله ( حسنا ) أي طيبة به نفسه من دون من ولا أذى ، وقيل محتسبا ، وقيل هو الانفاق من المال الحلال في وجوه البر ، وقيل هو الخالص لله تعالى ولا يكون فيه رياء ولا سمعة .
وقد اختلف في تقدير هذا التضعيف على أقوال ، وقيل لا يعلمه إلا الله وحده ، قاله السدي وهذا هو الأولى ، وإنما أبهم الله ذلك لأن ذكر المبهم في باب الترغيب أقوى من ذكر المحدود ، وقيل إلى سبعمائة ضعف ، وقيل غير ذلك .
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله إن الله ليريد منا القرض ؟ قال نعم ، قال : أرني يدك يا رسول الله فناوله يده قال : فاني قد أقرضت ربي حائطي وله فيه ستمائة نخلة{[242]} .
وقد أخرج هذه القصة جماعة من المحدثين .
وأخرج أحمد وابن المنذر من حديث أبي هريرة وفيه قال : والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة " {[243]} .
وأخرج ابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهما عن ابن عمر قال لما نزلت ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ) إلى آخرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رب زد أمتي " فنزلت ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) قال رب زد أمتي ، فنزلت ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .
وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال لما نزلت ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رب زد أمتي ، فنزلت ( من ذا الذي يقرض الله ) قال رب زد أمتي ، فنزلت ( مثل الذين ينفقون أموالهم ) قال رب زد أمتي فنزلت ( إنما يوفى الصابرون ) وفي الباب أحاديث هذه أحسنها .
( والله يقبض ويبسط ) حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم كيلا تبدل أحوالكم ، ولعل تأخير البسط عن القبض في الذكر للإيماء إلى أنه يعقبه في الوجود تسلية للفقراء ، هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط ، والقبض التقتير ، والبسط التوسيع ، وفيه وعيد بأن بخل من البسط يوشك أن يبدل بالقبض ، ولهذا قال ( وإليه ترجعون ) أي هو يجازيكم بما قدمتم عند الرجوع إليه ، فإن أنفقتم مما وسع به عليكم أحسن إليكم ، وإن بخلتم عاقبكم .
وعن قتادة يقبض الصدقة ويبسط قال يخلف ( وإليه ترجعون ) قال : من التراب وإلى التراب تعودون .
وعن ابن زيد قال : علم الله فيمن يقاتل في سبيل الله من لا يجد قوة وفيمن لا يقاتل في سبيل الله فندب هؤلاء إلى القرض فقال ( من ذا الذي يقرض الله ) قال : يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده ، ويقبض عن هذا هو يطيب نفسا بالخروج ويخلف له فقوه مما بيدك يكن لك الحظ .
وقيل المعنى أن الله يقبض بعض القلوب حتى لا تقدر على الانفاق في الطاعة وعمل الخير ويبسط بعض القلوب حتى تقدر على فعل الطاعات والإنفاق في البر .
وعن ابن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك " أخرجه مسلم{[244]} .
وهذا الحديث من أحاديث الصفات التي يجب الإيمان بها وإمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تحريف ولا تعطيل ولا تأويل ، وبهذا قال سلف هذه الأمة وأئمتها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.