{ إن الله عنده علم الساعة } أي : علم وقتها الذي تقوم فيه ، قال الفراء : إن معنى هذا الكلام النفي ، أي : ما يعلمه إلا الله عز وجل ، قال النحاس : وإنما صار فيه معنى النفي ، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو : إنها هذه .
أخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مفاتيح الغيب خمسة ، لا يعلمهن إلا الله ، لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا ما في الأرحام إلا الله . وفي الصحيحين ، وغيرهما ، من حديث أبي هريرة في حديث سؤاله عن الساعة ، وجوابه بأشراطها ثم قال : في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا هذه الآية ، أي : لا يدري أحد متى تقوم الساعة في أي سنة : وأي شهر وأي يوم ، وأي ساعة ليلا أو نهارا .
وفي الباب أحاديث ، وعن مجاهد قال : جاء رجل من أهل البادية فقال : إن امرأتي حبلى فأخبرني ما تلد ؟ وبلادنا مجدبة ، فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت ، وأخبرني متى أموت ؟ فأنزل الله : إن الله عنده علم الساعة الآية ، وعن عكرمة نحوه ، وزاد وقد علمت ما كسبت اليوم ، فماذا أكسب غدا ؟ وزاد أيضا أنه سأل عن قيام الساعة ! وقيل : نزلت في الحرث بن عمرو بن حارث ، من أهل البادية .
{ وينزل الغيث } في الأوقات والأمكنة التي جعلها معينة لإنزاله ، ولا يعلم ذلك غيره ، قرئ من التنزيل والإنزال { ويعلم ما في الأرحام } من الذكور والإناث ، والصلاح والفساد { وما تدري نفس } من النفوس كائنة ما كانت ، من غير فرق بين الملائكة والأنبياء ، والجن والإنس { ماذا تكسب غدا } من كسب دين ، أو كسب دينا ، خير أو شر .
{ وما تدري نفس بأي أرض تموت } وقرئ بأية أرض ، وجوز ذلك الفراء ، وهي لغة ضعيفة ، قال الأخفش : يجوز أن يقال مررت بجارية أي جارية ، والمعنى : ولا تعلم نفس بأي مكان يقضي الله عليها بالموت من الأرض في بر أو بحر ، في سهل ، أو جبل ، وربما أقامت بأرض ، وضربت أوتادها ، وقالت : لا أبرحها فترمي بها مرامي القدر تموت مكان لم يخطر ببالها .
روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه فقال الرجل : من هذا ؟ قال ملك الموت ، قال : كأنه يريدني ، وسأل سليمان عليه السلام أن يحمله على الريح ، ويلقيه ببلاد الهند . ففعل ، ثم قال ملك الموت لسليمان : كان دوام نظري إليه تعجبا منه ، لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك ، ذكره النسفي في المدارك ، ورأى المنصور في منامه صورة ملك الموت ، وسأله عن مدة عمره فأشار بأصابعه الخمس ، فعبرها المعبرون بخمس سنوات ، وبخمسة أشهر ، وبخمسة أيام ، فقال : أبو حنيفة : هو إشارة إلى هذه الآية .
فإن هذه العلوم الخمسة لا يعلمها إلا الله . قال الكرخي : أضاف في الآية إلى نفسه في الثلاثة من الخمسة المذكورة ، ونفى العلم عن العباد في الأخيرتين منها ، مع أن الخمسة سواء في اختصاص الله تعالى بعلمها ، وانتفاء علم العباد بها ، لأن الثلاثة الأولى أمرها أعظم وأفخم ، فخصت بالإضافة إليه تعالى ، والأخيرتان من صفات العباد ، فخصتا بالإضافة إليهم مع أنه إذا انتفى عنهم علمهما كان انتفاء علم ما عداهما من الخمس أولى :
{ إن الله عليم } بهذه الأشياء ، وبغيرها من الغيوب { خبير } بما كان وبما يكون وببواطن الأشياء كلها ، ليس علمه محيطا بالظاهر فقط ؟ قال ابن عباس : هذه الخمسة لا يعلمها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فإنه كفر بالقرآن . وعن الزهري : أكثروا قراءة سورة لقمان فإن فيها أعاجيب ، والله أعلم ، وفيه رد على المنجم والكاهن ، اللذين يخبران بوقت الغيث والموت وغيرهما .
تم بعون الله الجزء العاشر من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن ويليه الحادي عشر وأوله سورة السجدة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.