ولما ذكر سبحانه حال بعض الشاكرين لنعمه عقبه بحال بعض الجاحدين لها ، والمقصود من ذكر هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها لقومه لعلهم يتعظون وينزجرون ويعتبرون بها فقال : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَأ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ( 15 )
{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأ } المراد بها القبيلة التي هي من أولاد سبأ هو سبأ ابن يشجب بضم الجيم بن يعرب بن قحطان بن هود ، قرأ الجمهور : لسبأ بالتنوين على أنه اسم حي أي الحي الذين هم أولاد سبأ وقرئ : لسبأ ممنوع الصرف بتأويل القبيلة ويقوي القراءة الأولى قوله في مسكنهم ولو كان على تأويل القبيلة لقال في مسكنها ، وقرأ الجمهور على الجمع واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم ، ووجه الاختيار أنها كانت لهم منازل كثيرة ومساكن متعددة ، وقرئ بالإفراد ووجه الإفراد أنه مصدر يشمل القليل والكثير ، أو اسم مكان وأريد به معنى الجمع ، وهذه المساكن التي كانت لهم هي التي يقال لها الآن مأرب وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال ، وكانت أخصب البلاد .
وقد أخرج أحمد والبخاري والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وغيرهم عن فروة بن مسيك المرادي قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم ، فأذن لي في قتالهم ، وأمرني ، فلما خرجت من عنده أرسل في إثري فردني فقال : ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك ، وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل : يا رسول الله وما سبأ أرض أم امرأة ؟ قال : ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة ، وتشاءم منهم أربعة ، فأما الذين تشاءموا : فلخم وجذام وغسان وعاملة ، وأما الذين تيامنوا فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار ، فقال رجل : يا رسول الله وما أنمار ؟ قال : الذي منهم خثعم وبجيلة .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والطبراني وابن عدي والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن ابن عباس نحوه بأخصر منه .
{ آيَةٌ } أي علامة دالة على كمال قدرة الله وبديع صنعه بملاحظة أحوالها السابقة وهي نضارتها وخصبها وثمارها ، واللاحقة كتبديلها وعدم ثمرها ثم بين هذه الآية فقال : { جَنَّتَانِ } أي جماعتان من البساتين .
{ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } أي وهاتان الجنتان كانتا عن يمين واديهم وشماله قد أحاطتا به من جهتيه وقيل : عن يمين من أتاهما وشماله ، وكانت مساكنهم في الوادي ، وكل طائفة من تلك الجماعتين في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة ، والآية هي الجنتان كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسها المكتل فيمتلئ من أنواع الفواكه التي يتساقط من غير أن تمسها بيدها .
وقال عبد الرحمن بن زيد : إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة ولا ذبابا ولا برغوثا ولا قملة ولا عقربا ولا حية ولا غير ذلك من الهوام ، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل ماتت عند رؤيتهم لبيوتهم ، قال القشيري : ولم يرد جنتين اثنتين بل أراد من الجهتين يمنة ويسرة في كل جهة بساتين كثيرة وأشجار وثمار تستر الناس بظلالها .
{ أكُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ } أي قيل لهم ذلك وهذا الأمر للإذن والإباحة ، وقيل : لم يكن ثم أمر ولكن المراد تمكينهم من تلك النعم والأول أظهر ، وقيل : إنها قالت لهم الملائكة ، وقيل إنهم خوطبوا بذلك على لسان نبيهم ، والمراد بالرزق هو ثمار الجنتين .
{ اشْكُرُوا لَهُ } على ما رزقكم من هذه النعم واعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه .
{ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ } مستأنفة لبيان موجب الشكر والمعنى : هذه بلدة طيبة فكثيرة أشجارها وطيبة ثمارها وقيل : معنى كونها طيبة أنها غير سبخة وقيل : ليس فيها هوام لطيب هوائها ، قال مجاهد : هي صنعاء ، وقيل : كانت على ثلاثة فراسخ من صنعاء وفي المصباح : يطلق البلد والبلدة على كل موضع من الأرض عامرا كان أو خلاء .
{ وَرَبٌّ غَفُورٌ } أي المنعم بها عليهم رب غفور لذنوبهم ، فجمع لهم بين المغفرة وطيب البلدة ، ولم يجمع ذلك لجميع خلقه ، وقال مقاتل : المعنى : وربكم أن شكرتم فيما رزقكم رب غفور للذنوب ، وقيل : إنما جمع لهم بين طيب البلدة والمغفرة للإشارة إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام ، قرئ بنصب بلدة وربا على تقدير اسكنوا بلدة واشكروا ربا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.