{ لكن الراسخون في العلم منهم } استدراك من قوله تعالى { واعتدنا } الآية أو من الذين هادوا ، وبيان لكون بعضهم على خلاف حالهم عاجلا وآجلا وذلك أن اليهود أنكروا وقالوا : إن هذه الأشياء كانت حراما في الأصل وأنت تحلها فنزل { لكن الراسخون } والراسخ هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه ، والرسوخ الثبوت وقد تقدم الكلام عليه في آل عمران والمراد بهم عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ونحوهما .
{ والمؤمنون } بالله ورسوله ، والمراد أما من آمن من أهل الكتاب أو من المهاجرين والأنصار أو من الجميع { يؤمنون بما أنزل إليك } أي القرآن { وما أنزل من قبلك } أي سائر الكتب المنزلة على الأنبياء { والمقيمين الصلاة } قرأ جماعة المقيمون على العطف على ما قبله ، وكذا في مصحف ابن مسعود تنزيلا للتغاير العنواني منزلة التغاير الذاتي ، ونصب مقيمين على قراءة الجمهور هو على المدح والتعظيم عند سيبويه وهو أول الأعاريب .
وقال الخليل والكسائي : وهو معطوف على قوله { بما أنزل إليك } واستبعده الأخفش ، ووجهه محمد بن يزيد المبرد .
وعن عائشة أنها سئلت عن المقيمين وعن قوله إن هذا لساحران والصابئون في المائدة فقالت : يا ابن أخي الكتاب أخطأوا ، وروي عن عثمان بن عفان أنه لما فرغ من المصحف أتى به قال : أرى فيه شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها ، فقيل له ألا تغيره فقال دعوه فإنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا{[568]} .
قال ابن الأنباري : وما روي عن عثمان لا يصح لأنه متصل ومحال أن يؤخر عثمان شيئا فاسدا ليصلحه غيره ، ولأن القرآن منقول بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه .
وقال الزمخشري في الكشاف : ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوع لحن في خط المصحف وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب ، يعني كتاب سيبويه ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم من النصب على الاختصاص والمدح من الافتنان وهو باب واسع قد ذكره سيبويه على أمثلة وشواهد ، وربما خفي عليه أن السابقين الأولين كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب الطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله عز وجل ثلمة يسدها من بعدهم ، وخرقا يرفوه من يلحق بهم انتهى .
وقد رجح سيبويه كثير من أئمة النحو والتفسير واختاره الزجاج ، ورجح قول الخليل والكسائي ابن جرير الطبري والقفال .
{ والمؤتون الزكاة } عطف على المؤمنون ، لأن من صفتهم { والمؤمنون } يؤمنون ، { بالله واليوم الآخر } هم مؤمنوا أهل الكتاب وصفوا أولا بالرسوخ في العلم ثم الإيمان بكتب الله وأنهم يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة ويؤمنون بالله واليوم الآخر ، وقيل المراد بهم المؤمنون من الأنصار والمهاجرين من هذه الأمة كما سلف وأنهم جامعون بين هذه الأوصاف .
{ أولئك } أي الراسخون ، وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم في الفضل { سنؤتيهم } أي سنعطيهم على ما كان منهم من طاعة الله واتباع أمره ، والسين لتأكيد الوعد { أجرا } ثوابا { عظيما } وهو الجنة ، والتنكير للتفخيم ، وهذا الإعراب أنسب بتجاوب طرفي الاستدراك حيث وعد الأولون بالعذاب الأليم ، ووعد الآخرون بالأجر العظيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.