ثم بين سبحانه الفرق بين محاسن الأعمال ومساوئها فقال : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ } أي لا تستوي الحسنة التي يرضى بها الله ويثيب عليها ، ولا السيئة التي كرهها الله ويعاقب عليها ، ولا وجه لتخصيص الحسنة بنوع من أنواع الطاعات وتخصيص السيئة بنوع من أنواع المعاصي ، فإن اللفظ أوسع من ذلك ، وقيل الحسنة التوحيد والسيئة الشرك وقيل الحسنة المداراة ، والسيئة الغلظة وقيل الحسنة العفو والسيئة الانتصار وقيل الحسنة العلم ، والسيئة الفحش ، وقيل غير ذلك . قال الفراء { لا } في { ولا السيئة } زائدة ، والجملة مستأنفة سيقت لبيان محاسن الأعمال الجارية بين العباد ، إثر بيان محاسن الأعمال الجارية بين العبد وبين الرب ، ترغيبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبر على أذية المشركين ، ومقابلة إساءتهم بالإحسان .
{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } استئناف مبين لحسن عاقبة الحسنة ، أي ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ، ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان ، والذنب بالعفو ، والغضب بالصبر ، والإغضاء عن الهفوات ، والاحتمال للمكروهات ، قال ابن عباس أمر المسلمين بالصبر ، عند الغضب ، والحلم عند الجهل : والعفو عند الإساءة ؛ فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم وقال ابن عباس القه بالسلام وقال مجاهد وعطاء : بالتي هي أحسن يعني بالسلام إذا لقي من يعاديه ، وقيل بالمصافحة عند التلاقي .
والمعنى أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما ، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك ، كما لو أساء إليك رجل إساءة فالحسنة أن تعفوا عنه والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك ، مثل أن يذمك فتمدحه ، أو يقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوه ، ووضع التي هي أحسن موضع الحسنة ليكون أبلغ في الدفع بالحسنة ، لأن من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما دونها .
{ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } هذه هي الفائدة الحاصلة من الدفع بالتي هي أحسن ، والمعنى أنك إذا فعلت ذلك الدفع صار العدو كالصديق ، والبعيد عنك كالقريب منك ، وقال مقاتل : نزلت في أبي سفيان ابن حرب كان معاديا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فصار له وليا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبينه ، ثم أسلم فصار وليا في الإسلام ، حميما بالصهارة ، وقيل غير ذلك ، والأولى حمل الآية على العموم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.