فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

ثم بين سبحانه الفرق بين محاسن الأعمال ومساوئها فقال : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ } أي لا تستوي الحسنة التي يرضى بها الله ويثيب عليها ، ولا السيئة التي كرهها الله ويعاقب عليها ، ولا وجه لتخصيص الحسنة بنوع من أنواع الطاعات وتخصيص السيئة بنوع من أنواع المعاصي ، فإن اللفظ أوسع من ذلك ، وقيل الحسنة التوحيد والسيئة الشرك وقيل الحسنة المداراة ، والسيئة الغلظة وقيل الحسنة العفو والسيئة الانتصار وقيل الحسنة العلم ، والسيئة الفحش ، وقيل غير ذلك . قال الفراء { لا } في { ولا السيئة } زائدة ، والجملة مستأنفة سيقت لبيان محاسن الأعمال الجارية بين العباد ، إثر بيان محاسن الأعمال الجارية بين العبد وبين الرب ، ترغيبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبر على أذية المشركين ، ومقابلة إساءتهم بالإحسان .

{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } استئناف مبين لحسن عاقبة الحسنة ، أي ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ، ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان ، والذنب بالعفو ، والغضب بالصبر ، والإغضاء عن الهفوات ، والاحتمال للمكروهات ، قال ابن عباس أمر المسلمين بالصبر ، عند الغضب ، والحلم عند الجهل : والعفو عند الإساءة ؛ فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم وقال ابن عباس القه بالسلام وقال مجاهد وعطاء : بالتي هي أحسن يعني بالسلام إذا لقي من يعاديه ، وقيل بالمصافحة عند التلاقي .

والمعنى أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما ، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك ، كما لو أساء إليك رجل إساءة فالحسنة أن تعفوا عنه والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك ، مثل أن يذمك فتمدحه ، أو يقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوه ، ووضع التي هي أحسن موضع الحسنة ليكون أبلغ في الدفع بالحسنة ، لأن من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما دونها .

{ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } هذه هي الفائدة الحاصلة من الدفع بالتي هي أحسن ، والمعنى أنك إذا فعلت ذلك الدفع صار العدو كالصديق ، والبعيد عنك كالقريب منك ، وقال مقاتل : نزلت في أبي سفيان ابن حرب كان معاديا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فصار له وليا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبينه ، ثم أسلم فصار وليا في الإسلام ، حميما بالصهارة ، وقيل غير ذلك ، والأولى حمل الآية على العموم .