فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله { أَهُمْ خَيْرٌ } في القوة والمنعة .

{ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } الحميري الذي دار في الدنيا بجيوشه ، وغلب أهلها وقهرهم ، وحير الحيرة وبني سمرقند ، وقيل هدمها وكان مؤمنا ، وكان قومه كافرين ، وكان من ملوك اليمن ، سمي تبعا لكثرة أتباعه ، وقيل كل واحد من ملوك اليمن يسمى تبعا لأنه يتبع صاحبه الذي قبله ، كما سمي في الإسلام خليفة ، وفيه وعيد شديد ، وقيل المراد بقوم تبع جميع أتباعه لا واحد بعينه ، وكان تبع هذا يعبد النار فأسلم ودعا قومه وهم حمير إلى الإسلام فكذبوه .

وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم ) رواه البيهقي والحاكم وصححه ، وابن المبارك وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا ، وعن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( فذكر نحوه ) {[1483]} أخرجه أحمد والطبراني وابن ماجة وابن مردويه وروي نحو هذا عن غيرهما من الصحابة والتابعين ، قال الرياشي كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة ممن آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة وإليه تنسب الأنصار وهو أول من كسى البيت بعدما أراد غزوه وبعدما غزا المدينة وأراد خرابها ثم انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبي اسمه أحمد وقال شعرا أودعه عند أهلها وكانوا يتوارثونه كابرا عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فدفعوه إليه وقال ( كعب ذم الله قومه ولم يذمه ) .

والمراد بقوله { وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } عاد وثمود ونحوهم من الأمم الكافرة { أَهْلَكْنَاهُمْ } مستأنفة لبيان حالهم وعاقبة أمرهم { إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } أي كافرين منكرين للبعث ، تعليل لإهلاكهم ، يعني أن الله سبحانه قد أهلكهم بسبب كونهم مجرمين ، فإهلاكه لمن هو دونهم بسبب كونه مجرما ، مع ضعفه وقصور قدرته بالأولى .


[1483]:رواه الحاكم 2/450 مثله.