فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓۗ أَلَآ إِنَّمَا طَـٰٓئِرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (131)

{ فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون 131 } .

ثم بين أنهم عند نزول العذاب وتلك المحن عليهم والشدة لم يزدادوا إلا تمردا وكفرا كما قال تعالى { فإذا جاءتهم الحسنة } أي الخصلة والسلامة من الآفات { قالوا لنا هذه } أي أعطيناها باستحقاق وهي مختصة بنا ونحن أهلها على العادة التي جرت لنا في سعة الأرزاق وصحة الأبدان ، ولم يروا ذلك من فضل الله فيشكروه على أنعامه .

{ وإن تصبهم } خصلة { سيئة } من الجدب والقحط ، وكثرة الأمراض ونحوها من البلاء قيل ووجه تعريف الحسنة أنها كثيرة الوقوع وتعلق الإرادة بأحداثها ، ووجه تنكير السيئة ندرة وقوعها وعدم القصد لها إلا بالتبع . هذا من محاسن علم المعاني ، قال مجاهد : الحسنة العافية والرخاء والسيئة بلاء وعقوبة { يطيروا } يتشاءموا { بموسى ومن معه } من المؤمنين به ، وقد كانت العرب تتطير بأشياء من الطيور والحيوانات ، ثم استعمل بعد ذلك في كل من تشاءم بشيء في قول جميع المفسرين ، ومثل هذا قوله تعالى { وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك } .

{ ألا } التصدير بكلمة التنبيه لإبراز كمال العناية بمضمونه و { إنما } أداة حصر { طائرهم } أي سبب خيرهم وشرهم بجميع ما ينالهم من خصب وقحط { عند الله } يأتيهم به ليس بسبب موسى ومن معه ، وكان هذا الجواب على نمط ما يعتقدونه وبما يفهمونه ولهذا عبر بالطائر عن الخير والشر الذي يجري بقدر الله وحكمته ومشيئته { ولكن أكثرهم لا يعلمون } بهذا بل ينسبون الخير والشر إلى غير الله جهلا منهم والحق أن الكل من الله .