فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱلسَّـٰبِقَٰتِ سَبۡقٗا} (4)

{ فالسابقات سبقا } هم الملائكة على قول الجمهور كما سلف ، قال مسروق ومجاهد : تسبق الملائكة الشياطين بالوحي إلى الأنبياء ، وقال أبو روق هي الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح . وروي نحوه عن مجاهد ، وقال مقاتل هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة ، وقال الربيع هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة شوقا إلى الله ، وقال علي كرم الله وجهه : هي الملائكة يسبق بعضها بعضا بأرواح المؤمنين إلى الله تعالى ، وقال مجاهد : أيضا هو الموت يسبق الإنسان ، وقال قتادة والحسن ومعمر : هي النجوم يسبق بعضها في السير بعضا .

وقال عطاء : هي الخيل التي تسبق إلى الجهاد ، وقيل هي الأرواح التي تسبق الأجساد إلى الجنة أو النار .

قال الجرجاني عطف السابقات بالفاء لأنها مسببة عن التي قبلها أي واللاتي يسبحن فيسبقن . تقول قام فذهب ، فهذا يوجب أن يكون القيام سببا للذهاب ، ولو قلت قام وذهب بالواو ، لم يكن القيام سببا للذهاب ، قال الواحدي : وهذا غير مطرد في قوله الآتي : { فالمدبرات أمرا } لأنه يبعد أن يجعل السبق سببا للتدبير .

قال الرازي ويمكن الجواب عما قاله الواحدي بأنها لما أمرت سبحت فسبقت فدبرت ما أمرت بتدبيره ، فتكون هذه أفعالا يتصل بعضها ببعض ، كقوله قام زيد فذهب فضرب عمرا .

ولما سبقوا في الطاعات وسارعوا إليها ظهرت أمانتهم ففوض إليهم التدبير .

ويجاب عنه بأن السبق لا يكون سببا للتدبير كسببية السبح للسبق ، والقيام للذهاب ومجرد الاتصال لا يوجب السببية والمسببية .

والأولى أن يقال العطف بالفاء في المدبرات طوبق به ما قبله من عطف السابقات بالفاء ولا يحتاج إلى نكتة كما احتاج إليها ما قبله لأن النكتة إنما تطلب لمخالفة اللاحق للسابق لا لمطابقته وموافقته .