فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا} (40)

ثم زاد سبحانه في تخويف الكفار فقال : { إنا أنذرناكم } يا كفار مكة { عذابا قريبا } يعني العذاب في الآخرة وكل ما هو آت فهو قريب ، ومثله قوله : { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } كذا قال الكلبي وغيره ، وقال قتادة هو عذاب الدنيا لأنه أقرب العذابين ، قال مقاتل هو قتل قريش ببدر ، والأول أولى لقوله :

{ يوم ينظر المرء } أي كل امرئ مسلما كان أو كافرا { ما قدما يداه } أي يشاهد كل ما قدمه من خير أو شر لقوله : { ذوقوا عذاب الحريق ، ذلك بما قدمت أيديكم } وتخصيص الأيدي لأن أكثر الأعمال يقع بها ، وإن احتمل أن لا يكون للأيدي مدخل فيما ارتكب من الآثام ، و " ما " موصولة أو استفهامية قال الحسن والمرء هنا هو المؤمن أي يجد لنفسه عملا ، فأما الكافر فلا يجد لنفسه عملا فيتمنى أن يكون ترابا ، وقيل المراد به الكافر على العموم ، وقيل أبيّ بن خلف وعقبة بن أبي معيط ، والأول أولى لقوله :

{ ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا } فإن الكافر واقع في مقابلة المرء . والمراد جنس الكافر يتمنى أن يكون ترابا لما يشاهده مما قد أعده الله له من أنواع العذاب . والمعنى أنه يتمنى أنه كان ترابا في الدنيا فلم يخلق ولم يكلف ، أو ترابا يوم القيامة فلم يبعث ، وقيل المراد بالكافر أبو جهل ، وقيل أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وقيل إبليس ، والأول أولى اعتبارا بعموم اللفظ ولا ينافيه خصوص السبب كما تقدم غير مرة ، ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة الذم .

عن أبي هريرة : " قال يحشر الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء فيبلغ من عذاب الله أن يؤخذ للجماء من القرناء ثم يقول كوني ترابا فذلك حين يقول الكافر يا ليتي كنت ترابا " أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث والنشور .

وأما الجن فقال أبو الزناد يعودون ترابا أيضا . وقال عمر بن عبد العزيز ومجاهد وغيرهما مؤمنو الجن حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها ، والذي عليه الأكثرون أنهم مكلفون مثابون ومعاقبون ، فالمؤمن يدخل الجنة ، والكافر يدخل النار كبني آدم ، ذكره الخطيب والله أعلم بالصواب .