اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱلسَّـٰبِقَٰتِ سَبۡقٗا} (4)

قوله تعالى : { فالسابقات سَبْقاً } .

قال عليٌّ رضي الله عنه : هي الملائكة ، تسبقُ الشياطينَ بالوَحْيِ إلى الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وهو قول مسروق ومجاهد{[59221]} .

وعن مجاهد - أيضاً - وأبي روق : هي الملائكة سبقت بني آدم إلى العملِ الصَّالحِ ، فتكتبه{[59222]} .

وعن مجاهد - أيضاً - الموت يسبقُ الإنسان{[59223]} .

وقال مقاتلٌ : هي الملائكة تسبقُ بأرواح المؤمنين إلى الجنَّةِ{[59224]} .

وقال ابنُ مسعودٍ : هي أنفس المؤمنين ، تسبقُ إلى الملائكة الذين يقبضونها ، وقد عاينت السرور شوقاً إلى لقاءِ الله تعالى{[59225]} .

وقال قتادةُ والحسن ومعمر : هي النجوم تسبق بعضها{[59226]} .

وقال عطاءٌ : هي الخيلُ التي تسبقُ إلى الجهاد{[59227]} .

وقيل : يحتملُ أن تكون «السَّابقات » ما تسبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة ، أو نار ؛ حكاه الماورديُّ .

قال الجرجانيُّ : وذكر «فالسَّابقَاتِ » بالفاء ؛ لأنها مشتقة من التي قبلها ، أي : واللاتي يَسْبَحْنَ فيسبقن ، قام فذهب ، فهذا يوجبُ أن يكون القيام سبباً للذهابِ .

قال الواحديُّ : قول صاحب النَّظم غير مطرد في قوله : «فالمُدبِّراتِ أمْراً » ؛ لأنه يبعد ان يجعل السَّبقُ سبباً للتَّدبير .

قال ابن الخطيب ويمكن الجواب عن اعتراض الواحديِّ{[59228]} : بأنها لمَّا أمرتْ سبَحتْ ، فسَبقَتْ ، فدَبَّرتْ ما أمِرَتْ بتَدْبِيرِهِ ، فتكون هذه أفعالاً يتَّصِلُ بعضها ببعض ، كقولك : قام زيد ، فذهب ، فضرب عمراً ، أو لمَّا سبقُوا في الطَّاعاتِ يُسَارِعُونَ إليها ، ظهرت أمانَتهُمْ ، ففوَّض إليهم التَّدبيرَ .


[59221]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/193)، وينظر المصدر السابق.
[59222]:ينظر المصدر السابق.
[59223]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/424)، عن مجاهد.
[59224]:ذكره القرطبي (19/126).
[59225]:ذكره البغوي (4/442)، عن ابن مسعود وينظر المصدر السابق.
[59226]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/424)، وذكر السيوطي في "الدر المنثور" (6/509)، وعزاه إلى عبد بن حميد.
[59227]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/424)، عن عطاء.
[59228]:ينظر: الفخر الرازي 31/31.