الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَيَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيۡهِ مَلَأٞ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُواْ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ} (38)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وضعفه الذهبي وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كان نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله حتى كان آخر زمانه غرس شجرة فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها ، ثم جعل يعملها سفينة ويمرون فيسألونه فيقول : أعملها سفينة ، فيسخرون منه ويقولون : تعمل سفينة في البر وكيف تجري ؟ قال : سوف تعلمون . فلما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حباً شديداً ، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ، فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت على الجبل ، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بين يديها حتى ذهب بها الماء ، فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي » .

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كانت سفينة نوح عليه السلام لها أجنحة وتحت الأجنحة إيوان » .

وأخرج ابن مردويه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سام أبو العرب ، وحام أبو الحبش ، ويافث أبو الروم ، وذكر أن طول السفينة كان ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسون ذراعاً ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً ، وبابها في عرضها » .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان طول سفينة نوح ثلاثمائة ذراع ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً .

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما . أن نوحاً لما أمر أن يصنع الفلك قال : يا رب وأين الخشب ؟ قال : إغرس الشجر فغرس الساج عشرين سنة ، وكف عن الدعاء وكفوا عن الاستهزاء ، فلما أدرك الشجر أمره ربه فقطعها وجففها فقال : يا رب كيف اتخذ هذا البيت ؟ قال : اجعله على ثلاثة صور . رأسه كرأس الديك ، وجؤجؤ كجؤجؤ الطير ، وذنبه كذنب الديك ، واجعلها مطبقة واجعل لها أبواباً في جنبها وشدها بدسر - يعني مسامير الحديد - وبعث الله جبريل عليه السلام يعلمه صنعة السفينة ، فكانوا يمرون به ويسخرون منه ويقولون : ألا ترون إلى هذا المجنون يتخذ بيتاً ليسير به على الماء ؟ وأين الماء ويضحكون . وذلك قوله { وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه } فجعل السفينة ستمائة ذراع طولها ، وستين ذراعاً في الأرض ، وعرضها ثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثون ، وأمر أن يطليها بالقار ولم يكن في الأرض قار ففجر الله له عين القار حيث تنحت السفينة تغلي غلياناً حتى طلاها ، فلما فرغ منها جعل لها ثلاثة أبواب وأطبقها ، فحمل فيها السباع والدواب ، فألقى الله على الأسد الحمى وشغله بنفسه عن الدواب ، وجعل الوحش والطير في الباب الثاني ثم أطبق عليها ، وجعل ولد آدم أربعين رجلاً وأربعين امرأة في الباب الأعلى ثم أطبق عليهم ، وجعل الدرة معه في الباب الأعلى لضعفها أن لا تطأها الدواب .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال : ذكر لنا أن طول السفينة ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسون ذراعاً ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً وبابها في عرضها ، وذكر لنا أنها استقلت بهم في عشر خلون من رجب ، وكانت في الماء خمسين ومائة يوم ، ثم استقرت بهم على الجودي ، واهبطوا إلى الأرض في عشر ليال خلون من المحرم .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : كان طول سفينة نوح عليه السلام ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال الحواريون لعيسى بن مريم عليهما السلام ، لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة فحدثنا عنها ، فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب ، فأخذ كفاً من ذلك التراب قال : أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا كعب حام بن نوح ، فضرب الكثيب بعصاه قال : قم بإذن الله . فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب قال له عيسى عليه السلام : هكذا هلكت . قال : لا مت وأنا شاب ولكني ظننت أنها الساعة قامت فمن ثم شبت قال : حدثنا عن سفينة نوح قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، كانت ثلاث طبقات . فطبقة فيها الدواب والوحش ، وطبقة فيها الإِنس ، وطبقة فيها الطير ، فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله إلى نوح : أن اغمز ذنب الفيل . فغمز فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث فلما وقع الفار يخرب السفينة بقرضه ، أوحى الله إلى نوح أن أضرب بين عيني الأسد . فخرج من منخره سنور وسنورة ، فأقبلا على الفار فقال له عيسى عليه السلام : كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر ، فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت . ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها ، فعلم أن البلاد قد غرقت ، فطوّقها الخضرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في أنس وأمان ، فمن ثم تألف البيوت فقالوا : يا روح الله ألا تنطلق بنا إلى أهالينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ ثم قال : عد بإذن الله فعاد تراباً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان طول سفينة نوح عليه السلام أربعمائة ذراع ، وعرضها في السماء ثلاثون ذراعاً .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال : قال سليمان الفرائي . عمل نوح عليه السلام السفينة أربعمائة سنة ، وأنبت الساج أربعين سنة حتى كان طوله أربعمائة ذراع ، والذراع إلى المنكبين .

وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم رضي الله عنه . أن نوحاً عليه السلام مكث يغرس الشجر ويقطعها وييبسها ، ثم مائة سنة يعملها .

وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار رضي الله عنه . أن نوحاً عليه السلام لما أمر أن يصنع الفلك قال : رب لست بنجار ؟ قال : بلى . فإن ذلك بعيني فخذ القادوم فجعلت يده لا تخطيء ، فجعلوا يمرون به ويقولون : هذا الذي يزعم أنه نبي قد صار نجاراً ، فعملها أربعين سنة .

وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن ميناء . أن كعباً رضي الله عنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص ، أخبرني عن أول شجرة نبتت على الأرض ؟ قال عبد الله : الساج وهي التي عمل منها نوح السفينة فقال كعب رضي الله عنه : صدقت .