الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ} (40)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وفار التنور } نبع الماء .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { وفار التنور } قال : إذا رأيت تنور أهلك يخرج منه الماء فإنه هلاك قومك .

وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه قال : كان تنوراً من حجارة ، كان لحوّاء عليها السلام حتى صار إلى نوح عليه السلام ، فقيل له : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان بين دعوة نوح عليه السلام وبين هلاك قومه ثلاثمائة سنة ، وكان فار التنور بالهند ، وطافت سفينة نوح عليه السلام بالبيت أسبوعاً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { وفار التنور } قال : العين التي بالجزيرة عين الوردة .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : فار التنور من مسجد الكوفة من قبل أبواب كندة .

وأخرج أبو الشيخ عن حبة العربي قال : جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فقال إني قد اشتريت راحلة وفرغت من زادي أريد بيت المقدس لأصلي فيه ، فإنه قد صلى فيه سبعون نبياً ومنه فار التنور ، يعني مسجد الكوفة .

وأخرج أبو الشيخ من طريق الشعبي رضي الله عنه عن علي رضي الله عنه قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أن مسجدكم هذا لرابع أربعة من مساجد المسلمين ، ولركعتان فيه أحب إليّ من عشر فيما سواه إلا المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وإن من جانبه الأيمن مستقبل القبلة فار التنور .

وأخرج أبو الشيخ عن السدي بن إسماعيل الهمداني قال : لقد نجر نوح سفينته في وسط هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - وفار التنور من جانبه الأيمن ، وإن البرية منه لعلى اثني عشر ميلاً من حيث ما جنبه ، ولصلاة فيه أفضل من أربع في غيره إلا المسجدين مسجد الحرام ، ومسجد الرسول بالمدينة ، وإن من جانبه الأيمن مستقبل القبلة فار التنور .

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : التنور وجه الأرض قيل له : إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت ومن معك ، والعرب تسمي وجه الأرض تنور الأرض .

وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه { وفار التنور } قال : وجه الأرض .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : التنور أعلى الأرض وأشرفها ، وكان علماً فيما بين نوح وبين ربه عز وجل .

وأخرج أبو الشيخ عن بسطام بن مسلم قال : قلت لمعاوية بن قرة أن قتادة رضي الله عنه إذا أتى على هذه الآية قال : هي أعلى الأرض وأشرفها فقال : الله أعلم ، أما أنا فسمعت منه حديثين فالله أعلم . قال بعضهم : فار منه الماء . وقال بعضهم فارت من النار ، وفار التنور بكل لغة التنور .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه { وفار التنور } قال : طلع الفجر . قيل له : إذا طلع الفجر فاركب أنت وأصحابك .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي { وفار التنور } قال : تنور الصبح .

وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله { قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين } قال : في كلام العرب ، يقولون للذكر والأنثى : زوجان .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مسلم بن يسار رضي الله عنه قال : أمر نوح عليه السلام أن يحمل معه من كل زوجين اثنين ومعه ملك فجعل يقبض زوجاً زوجاً وبقي العنب ، فجاء إبليس فقال : هذا كله لي . فنظر نوح عليه السلام إلى الملك فقال : إنه لشريكك فأحسن شركته . فقال : نعم ، لي الثلثان وله الثلث . قال : إنه شريكك فأحسن شركته فقال : لي النصف وله النصف . فقال إبليس : هذا كله لي . فنظر إلى الملك فقال : إنه شريكك فأحسن شركته . قال : نعم ، لي الثلث وله الثلثان . قال : أحسنت وأني محسان ، أنت تأكله عنباً وتأكله زبيباً وتشربه عصيراً ثلاثة أيام . قال مسلم : وكان يرون أنه إذا شربه كذلك فليس للشيطان نصيب .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال : لما ركب نوح عليه السلام السفينة كتب له تسمية ما حمل معه فيها ، فقال : إنكم قد كتبتم الحبلة وليست ههنا . قالوا : صدقت أخذها الشيطان ، وسنرسل من يأتي بها . فجيء بها وجاء الشيطان معها ، فقيل لنوح : إنه شريكك فأحسن شركته . فذكر مثله وزاد بعد قوله : تشربه عصيراً وتطبخه ، فيذهب ثلثاه خبثاً وحظ الشيطان منه ، ويبقى ثلثه فتشربه .

وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال : لما حمل نوح عليه السلام الأسد في السفينة قال : يا رب إنه يسألني الطعام من أين أطعمه ؟ قال : إني سوف أعقله عن الطعام . فسلط الله عليه الحمى ، فكان نوح عليه السلام يأتيه بالكبش فيقول : ادر يأكل فيقول الأسد : آه .

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر وابن النجار في تاريخهما عن مجاهد رضي الله عنه قال : مر نوح عليه السلام بالأسد وهو في السفينة فضربه برجله فخمشه الأسد فبات ساهراً ، فبكى نوح من ذلك فأوحي إليه إنك ظلمته وإني لا أحب الظلم .

وأخرج ابن عدي وابن عساكر من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً « مر نوح بأسد رابض فضربه برجله ، فرفع الأسد رأسه فخمش ساقه ، فلم يبت ليلته مما جعلت تضرب عليه وهو يقول : يا رب كلبك عقرني . فأوحى الله إليه أن الله لا يرضى الظلم أنت بدأته . قال ابن عدي : هذا الحديث بهذا الإِسناد باطل ، وفيه جعفر بن أحمد الغافقي يضع الحديث » .

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : استصعبت على نوح الماعزة أن تدخل السفينة فدفعها في ذنبها فمن ثم انكسر ذنبها فصار معقوقاً وبدا حياها ، ومضت النعجة حتى دخلت فمسح على ذنبها فستر حياها .

وأخرج أبو الشيخ عن جعفر بن محمد قال : أمر نوح عليه السلام أن يحمل معه من كل زوجين اثنين ، فحمل معه من اليمن العجوة واللوز .

وأخرج أحمد في الزهد وأبو الشيخ عن وهب بن منبه قال : لما أمر نوح عليه السلام أن يحمل من كل زوجين اثنين قال : كيف أصنع بالأسد والبقرة ؟ وكيف أصنع بالعناق والذئب ؟ وكيف أصنع بالحمام والهر ؟ قال : من ألقى بينهما العداوة ؟ قال : أنت يا رب . قال : فإني أؤلف بينهم حتى لا يتضارون .

وأخرج ابن عساكر عن خالد رضي الله عنه قال : لما حمل نوح في السفينة ما حمل ، جاءت العقرب تحجل قالت : يا نبي الله أدخلني معك . قال : لا أنت تلدغين الناس وتؤذينهم قال : لا احملني معك ، فلك علي أن لا ألدغ من يصلي عليك الليلة .

وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قال حين يمسي : صلى الله على نوح وعلى نوح السلام لم تلدغه عقرب تلك الليلة » .

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن عذاء والضحاك . أن إبليس جاء ليركب السفينة فدفعه نوح فقال : يا نوح إني منظر ولا سبيل لك علي . فعرف أنه صادق فأمره أن يجلس على خيزران السفينة ، وكان آدم قد أوصى ولده أن يحملوا جسده ، فورثهم في ذلك نوح ، فتوارث الوصية ولده حتى حملها نوح ، فوضع جسد آدم عليه السلام بين الرجال والنساء .

وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر في مكايد الشيطان عن أبي العالية قال : لما رست السفينة سفينة نوح عليه السلام إذا هو بإبليس على كوتل السفينة . . . ! فقال له نوح عليه السلام : ويلك قد غرق أهل الأرض من أجلك . ؟ ! قال له إبليس : فما أصنع ؟ قال : تتوب . قال : فسل ربك هل لي من توبة ؟ فدعا نوح ربه ، فأوحى إليه أن توبته أن يسجد لقبر آدم . قال : قد جعلت لك توبة قال : وما هي ؟ قال : تسجد لقبر آدم .

قال : تركته حياً وأسجد له ميتاً ؟ ! .

وأخرج النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه . أن نوحاً عليه السلام نازعه الشيطان في عود الكرم قال : هذا لي . وقال : هذا لي . فاصطلحا على أن لنوح ثلثها وللشيطان ثلثيها .

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن علي رضي الله عنه مرفوعاً « أن نوحاً عليه السلام حمل معه في السفينة من جميع الشجر » .

وأخرج إسحق بن بشر أخبرنا رجل من أهل العلم . أن نوحاً عليه السلام حمل في السفينة من الهدهد زوجين ، وجعل أم الهدهد فضلاً على زوجين فماتت في السفينة قبل أن تظهر الأرض ، فحملها الهدهد فطاف بها الدنيا ليصيب لها مكاناً ليدفنها فيه فلم يجد طيناً ولا تراباً ، فرحمه ربه فحفر لها في قفاه قبراً فدفنها فيه ، فذلك الريش الناتئ في قفا الهدهد موضع القبر ، فذلك ثناء أقفية الهداهد « . وأخرجه ابن عساكر .

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أعطى الله نوحاً عليه السلام في السفينة خرزتين أحدها بياضها كبياض النهار والأخرى سوادها كسواد الليل ، فإذا أمسوا غلب مواد هذه بياض هذه ، وإذا أصبحوا غلب بياض هذه سواد هذه على قدر الساعات الاثني عشر ، فأول من قدر الساعات الاثني عشر لا يزيد بعضها على بعض نوح عليه السلام في السفينة ليعرف بها مواقيت الصلاة ، فسارت السفينة من مكانه حتى أخذت إلى اليمين فبلغت الحبشة ، ثم عدلت حتى رجعت إلى جدة ، ثم أخذت على الروم ، ثم جاوزت الروم فأقبلت راجعة على حيال الأرض المقدسة ، وأوحى الله إلى نوح عليه السلام : أنها تستوي على رأس جبل فعلت الجبال لذلك ، فتطلعت لذلك وأخرجت أصولها من الأرض وجعل جودي يتواضع لله عز وجل ، فجاءت السفينة حتى جاوزت الجبال كلها ، فلما انتهت إلى الجودي استوت ورست ، فشكت الجبال إلى الله فقالت : يا رب إنا تطلعنا وأخرجنا أصولنا من الأرض لسفينة نوح ، وخنس جودي فاستوت سفينة نوح عليه . فقال الله : إني كذلك من تواضع لي رفعته ، ومن ترفع لي وضعته ، ويقال : إن الجودي من جبال الجنة . فلما أن كان يوم عاشوراء استوت السفينة عليه وقال الله : يا أرض ابلعي ماءك بلغة الحبشة ، ويا سماء أقلعي أي أمسكي بلغة الحبشة ، فابتلعت الأرض ماءها وارتفع ماء السماء حتى بلغ عنان السماء رجاء أن يعود إلى مكانه ، فأوحى الله إليه : أن ارجع فإنك رجس وغضب . فرجع الماء فملح وحم وتردد فأصاب الناس منه الأذى ، فأرسل الله الريح فجمعه في مواضع البحار فصار زعاماً مالحاً لا ينتفع به ، وتطلع نوح فنظر فإذا الشمس قد طلعت وبدا له اليد من السماء ، وكان ذلك آية ما بينه وبين ربه عز وجل أمان من الغرق ، واليد القوس الذي يسمونه قوس قزح ، ونهي أن يقال له قوس قزح لأن قزح شيطان وهو قوس الله ، وزعموا أنه كان يمتد وتروسهم قبل ذلك في السماء ، فلما جعله الله تعالى أماناً لأهل الأرض من الغرق نزع الله الوتر والسهم ، فقال نوح عليه السلام عند ذلك : رب إنك وعدتني أن تنجي معي أهلي وغرق ابني ، و { إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } [ هود : 45 ] يقول : إنه ليس من أهل دينك إن عمله كان غير صالح . قال : اهبط بسلام منا . فبعث نوح عليه السلام من يأتيه بخبر الأرض ، فجاء الطير الأهلي وقال : أنا . فأخذها وختم جناحيها فقال : أنت مختومة بخاتمي لا تطير أبداً ينتفع بك ذريتي . فبعث الغراب فأصاب جيفة فوقع عليها ، فاحتبس فلعنه فمن ثَمَّ يقتل في الحرم ، وبعث الحمامة وهي القمري فذهبت فلم تجد في الأرض قراراً ، فوقعت على شجرة بأرض سبا فحملت ورقة زيتون فرجعت إلى نوح فعلم أنها لم تستمكن من الأرض ، ثم بعثها بعد أيام فخرجت حتى وقعت بوادي الحرم ، فإذا الماء قد نضب وأول ما نضب موضع الكعبة ، وكانت طينتها حمراء فخضبت رجليها ، ثم جاءت إلى نوح فقالت : البشرى استمكن الأرض فمسح يده على عنقها ، وطوّقها ، ووهب لها الحمرة في رجليها ، ودعا لها ، وأسكنها الحرم ، وبارك عليها فمن ثم شفق بها الناس ، ثم خرج فنزل بأرض الموصل وهي قرية الثمانين لأنه نزل في ثمانين ، فوقع فيهم الوباء فماتوا إلا نوح وسام وحام ويافث ونساؤهم وطبقت الأرض منهم ، وذلك قوله { وجعلنا ذريته هم الباقين } .

وأخرج ابن عساكر عن خالد الزيات قال : بلغنا أن نوحاً عليه السلام ركب السفينة أول يوم من رجب وقال لمن معه من الجن والإِنس : صوموا هذا اليوم فإنه من صامه منكم بعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام منكم سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم السبعة ، ومن صام منكم ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، ومن صام منكم عشرة أيام قال الله له : سل تعطه ، ومن صام منكم خمسة عشر يوماً قال الله له : استأنف العمل فقد غفرت لك ما مضى ، ومن زاد زاده الله . فصام نوح عليه السلام في السفينة رجب ، وشعبان ، ورمضان ، وشوّالاً ، وذا القعدة ، وذا الحجة ، وعشراً من المحرم ، فأرست السفينة يوم عاشوراء فقال نوح عليه السلام لمن معه من الجن والإِنس : صوموا هذا اليوم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : ركب نوح عليه السلام في السفينة في عشرة خلون من رجب ، نزل عنها في عشر خلون من المحرم ، فصام هو وأهله من الليل إلى الليل .

وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال : لما حمل نوح عليه السلام في السفينة من كل شيء ، حمل الأسد وكان يؤذي أهل السفينة فألقيت عليه الحمى .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عبيدة رضي الله عنه قال : لما أمر نوح عليه السلام أن يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين لم يستطع أن يحمل الأسد حتى ألقيت عليه الحمى فحمله فأدخله .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم عن أبيه . « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين قال له أصحابه : وكيف نطمئن ومعنا الأسد ؟ فسلط الله عليه الحمى . فكانت أول حمى نزلت الأرض . ثم شكوا الفأرة فقالوا الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا ، فأوحى الله إلى الأسد فعطس فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها » .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما كان نوح عليه السلام في السفينة قرض الفأر حبال السفينة ، فشكا إلى الله عز وجل ذلك ، فأوحى الله إليه فمسح جبهة الأسد ، فخرج سنوران وكان في السفينة عذرة ، فشكا نوح إلى الله فأوحى الله إليه ، فمسح ذنب الفيل فخرج خنزيران فأكلا العذرة .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : تأَذى أهل السفينة بالفأر ، فعطس الأسد فخرج من منخره سنوران ذكر وأنثى ، فأكلا الفأر إلا ما أراد الله أن يبقى منه ، وأوذوا بأذى أهل السفينة فعطس الفيل فخرج من منخره خنزيران ذكر وأنثى فأكلا أذى أهل السفينة قال ولما أراد أن يدخل الحمار السفينة أخذ نوح بأذني الحمار وأخذ إبليس بذنبه ، فجعل نوح عليه السلام يجذبه وجعل إبليس يجذبه ، فقال نوح : ادخل شيطان فدخل الحمار ودخل إبليس معه ، فلما سارت السفينة جلس في أذنابها يتغنى فقال له نوح عليه السلام : ويلك من أذن لك . . . ؟ ! قال : أنت . قال : متى . قال : إن قلت للحمار ادخل يا شيطان ، فدخلت بإذنك .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أول ما حمل نوح في الفلك من الدواب الدرة ، وآخر ما حمل الحمار ، فلما دخل الحمار أدخل صدره فتعلق إبليس بذنبه فلم تستقل رجلاه ، فجعل نوح يقول : ويحك . . . ! ادخل يا شيطان . فينهض فلا يستطيع حتى قال نوح : ويحك . . . ! ادخل وإن كان الشيطان معك - كلمة زلت على لسانه - فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله ، فدخل ودخل الشيطان معه فقال له نوح : ما أدخلك يا عدو الله ؟ قال : ألم تقل ادخل وإن كان الشيطان معك ؟ قال : اخرج عني . قال : ما لك بد من أن تحملني ، فكان كما يزعمون في ظهر الفلك .

وأخرج ابن عساكر عن مجاهد رضي الله عنه قال : مكث نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله يسره إليهم ثم يجهر به لهم ، ثم أعلن قال مجاهد رضي الله عنه : الإعلان الصياح : فجعلوا يأخذونه فيخنقونه حتى يغشى عليه فيسقط الأرض مغشياً عليه ، ثم يفيق فيقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون . فيقول الرجل منهم لأبيه : يا أبت ما لهذا الشيخ يصيح كل يوم لا يفتر ؟ فيقول : اخبرني أبي عن جدي أنه لم يزل على هذا منذ كان ، فلما دعا على قومه أمره الله أن يصنع الفلك فصنع السفينة ، فعملها في ثلاث سنين كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه يعجبون من نجارته السفينة ، فلما فرغ منها جعل له ربه آية إذا رأيت التنور قد فار فاجعل في السفينة من كل زوجين اثنين ، وكان التنور فيما بلغني في زاوية من مسجد الكوفة ، فلما فار التنور جعل فيها كل ما أمره الله قال : يا رب كيف بالأسد والفيل ؟ قال : سألقي عليهم الحمى إنها ثقيلة ، فحمل أهله وبنيه وبناته وكنائنه ودعا ابنه ، فلما أبى عليه وفرغ من كل شيء يدخله السفينة طبق السفينة الأخرى عليهم ولولا ذلك لم يبق في السفينة شيء إلا هلك لشدة وقع الماء حين يأتي من السماء قال الله تعالى { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر } [ القمر : 11 ] فكان قدر كل قطرة مثل ما يجري من فم القربة ، فلم يبق على ظهر الأرض شيء إلا هلك يومئذ إلا ما في السفينة ، ولم يدخل الحرم منه شيء .

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن عبد الله بن زياد بن سمعان عن رجال سماهم . أن الله أعقم رجالهم قبل الطوفان بأربعين عاماً ، وأعقم نساءهم فلم يتوالدوا أربعين عاماً منذ يوم دعا نوح عليه السلام حتى أدرك الصغير وأدرك الحنث وصارت لله عليهم الحجة ، ثم أرسل الله السماء عليه بالطوفان .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه قال : يزعم الناس أن من أغرق الله من الولدان مع آبائهم وليس كذلك ، إنما الولد بمنزلة الطير وسائر من أغرق الله بغير ذنب ، ولكن حضرت آجالهم فماتوا لآجالهم ، والمدركون من الرجال والنساء كان الغرق عقوبة لهم .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو الشيخ وابن عساكر من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال : لما أصاب قوم نوح الغرق قام الماء على رأس كل جبل خمسة عشر ذراعاً ، فأصاب الغرق امرأة فيمن أصاب معها صبي لها ، فوضعته على صدرها فلما بلغها الماء وضعته على منكبيها ، فلما بلغها الماء وضعته على يديها . فقال الله : لو رحمت أحداً من أهل الأرض لرحمتها ولكن حق القول مني .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه قال : بلغني أن نوحاً عليه السلام قال لجاريته : إذا فار تنورك ماء فأخبريني ، فلما فرغت من آخر خبزها فار التنور ، فذهبت إلى سيدها فأخبرته ، فركب هو ومن بأعلى السفينة وفتح الله السماء بماء منهمر وفجر الأرض عيوناً .

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريقه أنا عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما نبع الماء حول سفينة نوح خرج رجل من تلك الأمة إلى فرعون من فراعنتهم فقال : هذا الذي تزعمون أنه مجنون ؟ قد أتاكم بما كان يعدكم ، فجاء يسير في موكب له وجماعة من أصحابه حتى وقف من نوح غير بعيد فقال لنوح : ما تقول ؟ قال : قد أتاكم ما كنتم توعدون . قال : ما علامة ذلك ؟ قال : اعطف برأس برذونك . فعطف برذونه فنبع الماء من تحت قوائمه ، فخرج يركض إلى الجبل هارباً من الماء .

وأخرج ابن إسحق وابن عساكر عن جعفر بن محمد رضي الله عنه قال : فار الماء من التنور من دار نوح عليه السلام ، من تنور تختبز فيه ابنته ، وكان نوح يتوقع ذلك إذ جاءته ابنته فقالت : يا أبت قد فار الماء من التنور . فآمن بنوح النجارون إلا نجاراً واحداً فقال له : اعطني أجري قال : أعطيتك أجرك على أن تركب معنا . قال : فإن وداً وسواع ويغوث ونسراً سينجوني . فأوحى الله إليه أن احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ، وكان ممن سبق عليه القول امرأته والقة وكنعان ابنه فقال : يا رب هؤلاء قد حملتهم فكيف لي بالوحش والبهائم والسباع والطير ؟ قال : أنا أحشرهم عليك : فبعث جبريل عليه السلام فحشرهم ، فجعل يضرب بيديه على الزوجين فجعل يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيدخله السفينة ، حتى أدخل عدة ما أمره الله تعالى به ، فلما جمعهم في السفينة رأت البهائم والوحش والسباع العذاب ، فجعلت تلحس قدم نوح عليه السلام وتقول : احملنا معك . فيقول : إنما أمرت من كل زوجين اثنين .

وأخرج ابن عساكر عن الزهري قال : إن الله بعث ريحاً فحمل إليه من كل زوجين اثنين ، من الطير والسباع والوحش والبهائم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { من كل زوجين اثنين } قال : ذكر وأنثى من كل صنف .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : الذكر زوج والأنثى زوج .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه { إلا من سبق عليه القول } قال : العذاب ، هي امرأته كانت في الغابرين .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحكم { وما آمن معه إلا قليل } قال : نوح وبنوه ثلاثة وأربع كنائنه .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج قال : حدثت أن نوحاً حمل معه بنيه الثلاثة وثلاث نسوة لبنيه ، وأصاب حام زوجته في السفينة فدعا نوح أن تغير نطفته فجاء بالسودان . وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن أبي صالح .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حمل نوح عليه السلام معه في السفينة ثمانين إنساناً ؛ أحدهم جرهم وكان لسانه عربياً .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم ، وكانوا في السفينة مائة وخمسين يوماً ، وإن الله وجه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوماً ، ثم وجهها إلى الجودي فاستوت عليه ، فبعث نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بالخبر فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه ، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين ، فعرف نوح عليه السلام أن الماء نضب فهبط إلى أسفل الجودي فابتنى قرية وسماها ثمانين ، فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة أحدها اللسان العربي ، فكان لا يفقه بعضهم كلام بعض ، وكان نوح عليه السلام يعبر عنهم .

وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما ركب نوح عليه السلام في السفينة وحمل فيها من كل زوجين اثنين كما أمر رأى في السفينة شيخاً لم يعرفه فقال له : من أنت ؟ قال : إبليس دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك ، ثم قال : خمس أهلك بهن الناس وسأحدثك منهن بثلاثة ولا أحدثك بالثنتين . فأوحى إلى نوح : لا حاجة لك بالثلاث مرهُ يحدثك بالثنتين . قال : الحسد وبالحسد لعنت وجعلت شيطاناً رجيماً ، والحرص أبيح آدم الجنة كلها فأصبت حاجتي منه بالحرص .

وأخرج ابن المنذر عن الحكم قال : خرج القوس قزح بعد الطوفان أماناً لأهل الأرض أن يغرقوا جميعاً .