الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فلما سمعت بمكرهنَّ } قال : بحديثهن .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان رضي الله عنه في قوله { سمعت بمكرهن } قال : بعملهن . وقال : كل مكر في القرآن فهو عمل .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ رضي الله عنه في قوله { وأعتدت لهن متكأ } قال : هيأت لهن مجلساً ، وكان سنتهم إذا وضعوا المائدة ، أعطوا كل إنسان سكيناً يأكل بها . فلما رأينه قال : فلما خرج عليهن يوسف عليه السلام { أكبرنه } قال : أعظمنه ونظرت إليه ، وأقبلن يحززن أيديهن بالسكاكين . وهن يحسبن أنهن يقطعن الطعام .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { واعتدت لهن متكأ } قال : أعطتهن أترنجاً ، وأعطت كل واحدة منهن سكيناً ، فلما رأين يوسف أكبرنه وجعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترنج .

وأخرج مسدد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : المتكأ ، الأترنج ، وكان يقرؤها خفيفة .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { متكأ } قال : هو الأترنج .

وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من وجه ثالث ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : من قرأ { متكأ } شدها ، فهو الطعام . ومن قرأ « مَتَكاً » خففها فهو الأترنج .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن سلمة بن تمام أبي عبيد الله القسري رضي الله عنه قال : { متكاً } بكلام الحبش ، يسمون الأترنج مَتَكاً .

وأخرج أبو الشيخ عن أبان بن تغلب رضي الله عنه أنه كان يقرؤها { واعتدت لهن متكا } مخففة . قال : الأترنج .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { واعتدت لهن متكأ } قال : طعام وشراب وتكاء .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن الضحاك رضي الله عنه مثله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { متكأ } قال : كل شيء يقطع بالسكين .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن ابن زيد رضي الله عنه قال : أعطتهن ترنجاً وعسلاً ، فكن يحززن الترنج بالسكين ، ويأكلن بالعسل ، فلما قيل له اخرج عليهن ، خرج . فلما رأينه أعظمنه وتهيمن به حتى جعلن يحززن أيديهن بالسكين وفيها الترنج ولا يعقلن ، لا يحسبن إلا أنهن يحززن الأترنج ، قد ذهبت عقولهن مما رأين وقلن { حاشا لله ، ما هذا بشراً } ما هكذا يكون البشر ، ما هذا إلا ملك كريم .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق دريد بن مجاشع ، عن بعض أشياخه قال : قالت للقيم : أدخله عليهن وألبسه ثياباً بيضاً ، فإن الجميل أحسن ما يكون في البياض .

فأدخله عليهن وهن يحززن ما في أيديهن ، فلما رأينه حززن أيديهن وهن لا يشعرن من النظر إليه ، فنظرن إليه مقبلاً ، ثم أومأت إليه أن ارجع . فنظرن إليه مدبراً وهن يحززن أيديهن بالسكاكين لا يشعرن بالوجع من نظرهن إليه ، فلما خرج نظرن إلى أيديهن وجاء الوجع ، فجعلن يولولن . وقالت لهن : أنتن من ساعة واحدة هكذا صنعتن ، فكيف أصنع أنا ؟ ! . . . { قلن : حاشا لله ، ما هذا بشراً ، إن هذا إلا ملك كريم } .

وأخرج أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن الوزير بن الكميت بن زيد بن الكميت الشاعر قال : حدثني أبي عن جدي قال : سمعت جدي الكميت يقول في قوله { فلما رأينه أكبرنه } قال أمنين . وأنشد في ذلك :

لما رأته الخيل من رأس شاهق*** صهلن وأكبرن المنيّ المدفقا

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه عن جده ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فلما رأينه أكبرنه } قال : لما خرج عليهن يوسف حضن من الفرح ، وقال الشاعر :

نأتي النساء لدى أطهارهن ولا *** نأتي النساء إذا أكبرن أكباراً

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فلما رأينه أكبرنه } قال : أعظمنه { وقطعن أيديهن } قال : حزًّا بالسكين حتى ألقينها { وقلن حاشا لله } قال : معاذ الله .

وأخرج ابن أبي داود في المصاحف والخطيب في تالي التلخيص ، عن أسيد بن يزيد أن في مصحف عثمان { وقلن حاش لله } ليس فيها ألف .

وأخرج ابن جرير ، عن أبي الحويرث الحنفي أنه قرأها { ما هذا بشرا } أي ما هذا بمشترى .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله { إن هذا إلا ملك كريم } قال : قلن ملك من الملائكة من حسنه .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن يزيد بن أساس رضي الله عنه قال : لما قررن وطابت أنفسهن ، قالت لقيمها : آتهن ترنجاً وسكيناً . فأتاهن بهن ، فجعلن يقطعن ويأكلن ، فقالت : هل لكن في النظر إلى يوسف ؟ قلن : ما شئت فأمرت قيمها فأدخله عليهن ، فلما رأينه جعلن يقطعن أصابعهن مع الأترنج وهن لا يشعرن ، فلا يجدن ألماً مما رأين من حسنه ، فلما ولى عنهن قالت : هذا الذي لمتنني فيه ، فلقد رأيتكن تقطعن أيديكم وما تشعرن . قال : فنظرن إلى أيديهن فجعلن يصحن ويبكين . قالت : فكيف أصنع ؟ فقلن : { حاشا لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم } وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا .

وأخرج أبو الشيخ عن منبه عن أبيه قال : مات من النسوة اللاتي قطعن أيديهن ، تسع عشرة امرأة كمداً .

وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم ، عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أعطي يوسف وأمه شطر الحسن » .

وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال «أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن » .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان وجه يوسف مثل البرق ، وكانت المرأة إذا أتت لحاجة ستر وجهه مخافة أن تفتتن به .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : أوتي يوسف عليه السلام وأمه ثلث حسن خلق الإنسان : في الوجه والبياض وغير ذلك .

وأخرج أبو الشيخ ، عن إسحق بن عبد الله رضي الله عنه قال : كان يوسف عليه الصلاة والسلام إذا سار في أزقة مصر ، تلألأ وجهه على الجدران كما يتلألأ الماء والشمس على الجدران .

وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا ، وأعطي الناس الثلثين » .

وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قسم الله الحسن عشرة أجزاء ، فجعل منها ثلاثة أجزاء في حواء ، وثلاثة أجزاء في سارة ، وثلاثة أجزاء في يوسف ، وجزأ في سائر الخلق . وكانت سارة من أحسن نساء الأرض ، وكانت من أشد النساء غيرة .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ربيعة الجرشي رضي الله عنه قال : «قسم الله الحسن نصفين ، فجعل ليوسف وسارة النصف ، وقسم النصف الآخر بين سائر الناس .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه قال : قسم الحسن ثلاثة أقسام ، فأعطي يوسف الثلث ، وقسم الثلثان بين الناس ، وكان أحسن الناس .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ ، عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان فضل حسن يوسف على الناس ، كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء .

وأخرج الحاكم عن كعب رضي الله عنه قال : قسم الله ليوسف عليه السلام من الجمال الثلثين ، وقسم بين عباده الثلث ، وكان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه الله تعالى ، فلما عصى آدم عليه السلام نزع منه النور والبهاء والحسن ، ووهب له الثلث من الجمال مع التوبة ، فأعطى الله ليوسف عليه السلام ذلك الثلثين ، وأعطاه تأويل الرؤيا . وإذا تبسم رأيت النور من ضواحكه .