الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (118)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن منده وابن مردويه وابن عساكر عن جابر بن عبد الله في قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا قال : كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن ربيعة وكلهم من الأنصار .

وأخرج ابن مردويه عن مجمع بن جارية قال : الثلاثة الذين خلفوا فتاب الله عليهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن ربعي .

وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب قال : إن الثلاثة الذين خلفوا كعب بن مالك من بني سلمة وهلال بن أمية من بني واقف ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي أوان خرج عامة المنافقين الذين كانوا تخلفوا عنه يتلقونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه « لا تكلمن رجلا تخلف عنا ولا تجالسوه حتى آذن لكم فلم يكلموهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه الذين تخلفوا يسلمون عليه فأعرض عنهم وأعرض المؤمنون عنهم حتى أن الرجل ليعرض عنه أخوه وأبوه وعمه فجعلوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتذرون بالجهد والأسقام فرحمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعهم واستغفر لهم وكان ممن تخلف عن غير شك ولا نفاق ثلاثة نفر الذين ذكر الله تعالى في سورة التوبة : كعب بن مالك السلمي وهلال بن أمية الواقفي ، ومرارة بن ربيعة العامري »

وأخرج ابن منده وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما { وعلى الثلاثة الذين خلفوا } قال : كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية .

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والبيهقي من طريق الزهري قال : أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها ، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر .

وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزاة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة ، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل عدوا كثيرا ، فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم ، فأخبرهم وجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان . قال كعب رضي الله عنه : فقل رجل يريد أن يتغيب إلى ظن أن ذلك سيخفى ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل ، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل وآن لها أن تصغر ، فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولا أقضي شيئا ، فأقول لنفسي : أنا قادر على ذلك إن أردت . فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا ، وفلت الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه ، فغدوت بعد ما فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض من جهازي شيئا ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى انتهوا وتفارط الغزو ، فهممت أن أرتحل فأدركهم - وليت أني فعلت - ثم لم يقدر لي ذلك ، فطفقت إذ خرجت في الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه من النفاق أو رجلا ممن عذره الله ، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك « ما فعل كعب بن مالك ؟ فقال رجل من بني سلمة : حبسه يا رسول الله برداه والنظر في عطفيه . فقال له معاذ بن جبل : بئسما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم » .

قال كعب بن مالك : فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك ، حضرني همي فطفقت أتذكر الكذب ، وأقول : بماذا أخرج من سخطه غدا وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما ، راح عني الباطل وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا ، فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع ركعتين ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علانيتهم ، واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله حتى جئت ، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال لي « تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال : ما خلفك ، ألم تكن قد اشتريت ظهرك ؟ فقلت : يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر ، لقد أعطيت جدلا ولكنه - والله - لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى عني به ليوشكن الله يسخطك علي ، ولئن حدثتك الصدق وتجد علي فيه أني لأرجو قرب عتبي من الله ، والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك » .

فقمت وبادرني رجال من بني سلمة ، واتبعوني فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون ، فلقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي أحدا ؟ قالوا : نعم ، لقيه معك رجلان ، قالا ما قلت ، وقيل لهما مثل ما قيل لك . فقلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة ، حسنة فمضيت حين ذكروهما لي .

قال : ونهى رسول الله الناس عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض التي كنت أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما ، وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق فلا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم وأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ، ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ، فإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه ، فوالله ما رد السلام علي فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك الله تعالى ، هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ قال : فسكت قال : فعدت فنشدته فسكت ، فعدت فنشدته قال : الله ورسوله أعلم . ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار .

وبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان - وكنت كاتبا - فإذا فيه : أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك . فقلت حين قرأتها : وهذا أيضا من البلاء . فيممت بها التنور فسجرته فيها ، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل إمرأتك . فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ ! قال : بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك . فقلت لإمرأتي : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ، فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن هلالا شيخ ضائع وليس له خادم ، فهل تكره أن أخدمه ؟ قال : لا ، ولكن لا يقربنك . فقالت : إنه والله ما به حركة إلى شيء ، والله ما زال يبكي من لدن إن كان من أمرك ما كان إلى يومه هذا . فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال أن تخدمه . فقلت : والله لا استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدري ما يقول إذا استأذنته وأنا رجل شاب .

قال : فلبثنا عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا . قال : ثم صليت الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عنا ، قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت ، سمعت صارخا أوفى جبل سلع يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء الفرج ، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم وأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته - والله ما أملك غيرهما يومئذ - فاستعرت ثوبين فلبستهما ، فانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا بعد فوج يهنئونني بالتوبة ، يقولون : ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ، وحوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره . قال : فكان كعب رضي الله عنه لا ينساها لطلحة .

قال كعب رضي الله عنه : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور « أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك . قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : لا بل من عند الله . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر .

فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم قال : أمسك بعض مالك فهو خير لك . قلت : إني أمسك سهمي الذي بخيبر ، وقلت : يا رسول الله إنما نجاني الله بالصدق ، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت . قال : فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت منذ قلت ذلك إلى يومي هذا كذبا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي ، وأنزل الله ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ) [ التوبة الآية 117 ] إلى قوله وكونوا مع الصادقين فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه فإن الله قال للذين كذبوه ، حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ) [ التوبة الآية 95 ] إلى قوله { الفاسقين } قال : وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خلفوا ، فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخلفنا عن الغزو ، وإنما هو حلف له واعتذر إليه فقبل منه » .

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبَّلت يده وركبتيه ، وكسوت المبشر ثوبين .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { وعلى الثلاثة الذين خلفوا } قال : الذين أرجأوا في وسط براءة قوله { وآخرون مرجون لأمر الله } [ التوبة : 106 ] هلال بن أمية ، ومرارة بن ربيعة ، وكعب بن مالك .

وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { وعلى الثلاثة الذين خلفوا } مثقلة يقول : عن غزوة تبوك .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك تخلف كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، قال : أما أحدهم فكان له حائط حين زها قد فشت فيه الحمرة والصفرة فقال : غزوت وغزوت وغزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو أقمت العام في هذا الحائط فأصبت منه . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دخل حائطه فقال : ما خلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وما استبق المؤمنون في الجهاد في سبيل الله إلا ضن بك أيها الحائط ، اللهمَّ إني أشهدك أني تصدقت به في سبيلك . وأما الآخر فكان قد تفرق عنه من أهله ناس واجتمعوا له فقال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت ، فلو أني أقمت العام في أهلي . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال : ما خلفني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما استبق إليه المجاهدون في سبيل الله إلا ضن بكم أيها الأهل ، اللهم إن لك عليَّ أن لا أرجع إلى أهلي ومالي حتى أعلم ما تقضي فيَّ . وأما الآخر فقال : اللهم إن لك عليَّ أن ألحق بالقوم حتى أدركهم أو أنقطع . فجعل يتتبع الدقع والحزونة حتى لحق بالقوم ، فأنزل الله { لقد تاب الله على النبي } إلى قوله { وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت } قال الحسن رضي الله عنه : يا سبحان الله ! والله ما أكلوا مالاً حراماً ، لا أصابوا دماً حراماً ، ولا أفسدوا في الأرض ، غير أنهم أبطأوا عن شيء من الخير الجهاد في سبيل الله ، وقد - والله - جاهدوا وجاهدوا وجاهدوا ، فبلغ منهم ما سمعتم فهكذا يبلغ الذنب من المؤمن .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله { وعلى الثلاثة الذين خلفوا } يعني خلفوا عن التوبة ، لم يتب عليهم حتى تاب الله على أبي لبابة وأصحابه .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن عساكر عن عكرمة في قوله { وعلى الثلاثة الذين خلفوا } عن التوبة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة بن خالد المخزومي ، أنه كان يقرؤها { وعلى الثلاثة الذين خلفوا } نصب أي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : دعا الله إلى توبته من قال { أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] . وقال { ما علمت لكم من إله غيري } [ القصص : 38 ] ومن آيس العباد من التوبة بعد هؤلاء فقد جحد كتاب الله ، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله وهو قوله { ثم تاب عليهم ليتوبوا } فبدء التوبة من الله عز وجل .