الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡـٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ} (25)

أخرج الفريابي عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } قال : هي أول ما أنزل الله تعالى من سورة براءة .

وأخرج ابن أبي شيبة وسنيد وابن حرب وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال أول ما نزل من براءة { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } يعرفهم نصره ويوطنهم لغزوة تبوك .

وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } قال : هذا مما يمن الله به عليهم من نصره إياهم في مواطن كثيرة .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال { حنين } ماء بين مكة والطائف ، قاتل النبي صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف ، وعلى هوازن مالك بن عوف ، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام عام الفتح نصف شهر ، ولم يزد على ذلك حتى جاءته هوازن وثقيف فنزلوا بحنين ، وحنين واد إلى جنب ذي المجاز » .

وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال « لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا : الآن والله نقاتل حين اجتمعنا ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم ، فالتقوا فهزمهم الله حتى ما يقوم منهم أحد على أحد ، حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي أحياء العرب إليَّ فوالله ما يعرج إليه أحد حتى أعرى موضعه ، فالتفت إلى الأنصار وهم ناحية ناحية فناداهم : يا أنصار الله وأنصار رسوله إلى عباد الله أنا رسول الله ، فعطفوا وقالوا : يا رسول الله ورب الكعبة إليك والله ، فنكسوا رؤوسهم يبكون وقدموا أسيافهم يضربون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليهم .

وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع رضي الله عنه « أن رجلاً قال يوم حنين : لن نغلب من قلة . فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم } قال الربيع : وكانوا اثني عشر ألفاً ، منهم ألفان من أهل مكة » .

وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد البغوي في معجمه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي عبد الرحمن الفهري رضي الله عنه قال : « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين ، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر ، فلما زالت الشمس لبست لامتي وركبت فرسي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قد حان الرواح يا رسول الله . قال «أجل ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بلال . . . فثار من تحت سمرة كان ظله ظل طائر فقال : لبيك وسعديك وأنا فداؤك . ثم قال : أسرج لي فرسي . فأتاه بدفتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر قال : فركب فرسه ثم سرنا يومنا فلقينا العدوّ وتشامت الخيلان فقاتلناهم ، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ، فاقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه ، وحدثني من كان أقرب إليه مني : أنه أخذ حفنة من تراب فحثاها في وجوه القوم وقال : شاهت الوجوه . . . ! قال يعلى بن عطاء رضي الله عنه : فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا : ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب ، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست الحديد ، فهزمهم الله عز وجل » .

وأخرج الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : « كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فولى الناس عنه وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار ، فكنا على أقدامنا نحواً من ثمانين قدماً ولم نولهم الدبر ، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته ، فمضى قدماً فقال «ناولني كفاً من تراب . فناولته فضرب وجوههم ، فامتلأت أعينهم تراباً وولى المشركون أدبارهم » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه . « أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإِبل والغنم ، فجعلوهم صفوفاً ليكثروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالتقى المسلمون والمشركون ، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ، ثم قال : يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله ، فهزم الله المشركين ولم يضرب بسيف ولم يطعن برمح » .

وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وأحمد ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال « شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ، فلزمنا رسول الله فلم نفارقه وهو على بغلته الشهباء التي أهداها له فروة بن معاوية الجذامي ، فلما التقى المسلمون والمشركون ولي المسلمون مدبرين وطفق النبي صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار ، وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين ، وأبو سفيان بن الحرث آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس نادي أصحاب السمرة يا أصحاب البقرة ، فوالله لكأني عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقرة على أولادها ينادون يا لبيك يا لبيك ، فأقبل المسلمون فاقتتلوا هم والكفار ، وارتفعت الأصوات وهم يقولون : يا معشر الأنصار ، يا معشر الأنصار . ثم قصرت الدعوة على بني الحرث بن الخزرج ، فتطاول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته فقال : هذا حين حمي الوطيس ، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ، ثم قال : انهزموا ورب الكعبة . فذهبت أنظر فإذا القتال على هينته فيما أرى ، فما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصيات ، فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً حتى هزمهم الله عز وجل » .

وأخرج الحاكم وصححه عن جابر رضي الله عنه قال : « ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين الأنصار فقال : يا معشر الأنصار . فأجابوه لبيك - بأبينا أنت وأمنا - يا رسول الله . قال «أقبلوا بوجوهكم إلى الله ورسوله يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار . فأقبلوا ولهم حنين حتى أحدقوا به كبكبة تحاك مناكبهم يقاتلون حتى هزم الله المشركين » .

وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : « لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم ، فقال القوم : اليوم والله نقاتل ، فلما التقوا واشتد القتال ولوا مدبرين ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ، فقال : «يا معشر المسلمين إلي عباد الله ، أنا رسول الله . فقالوا : إليك - والله - جئنا ، فنكسوا رؤوسهم ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم » .

وأخرج الحاكم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال « أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من بعير ، ثم قال : أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة ، وعليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الأنفال ، ويقول : ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم » .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان ، وعن عكرمة قال : « لما كان يوم حنين ولى المسلمون وولى المشركون ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «أنا محمد رسول الله ثلاث مرات - وإلى جنبه عمه العباس - فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه : يا عباس أذن يا أهل الشجرة ، فأجابوه من كل مكان لبيك لبيك حتى أظلوه برماحهم ، ثم مضى فوهب الله له الظفر ، فأنزل الله { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم } الآية » .

وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن عبيد الله بن عمير الليثي رضي الله عنه قال « كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف من الأنصار ، وألف من جهينة ، وألف من مزينة ، وألف من أسلم ، وألف من غفار ، وألف من أشجع ، وألف من المهاجرين وغيرهم ، فكان معه عشرة آلاف . وخرج بإثني عشر ألفاً ، وفيها قال الله تعالى في كتابه { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً } .

وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن مردويه عن البراء بن عازب رضي الله عنه . أنه قيل له : هل كنتم وليتم يوم حنين ؟ قال : والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسراً ليس عليهم سلاح ، فلقوا جمعاً رماة هوازن وبني النضر ما يكاد يسقط لهم سهم ، فرشقوهم رشقاً ما كادوا يخطئون ، فأقبلوا هنالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب يقود به ، فنزل ودعا واستنصر ثم قال :

أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب

ثم صف أصحابه » .