فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَلَا نُقِيمُ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَزۡنٗا} (105)

{ أُوْلَئِكَ الذين كَفَرُوا بآيات رَبّهِمْ }ويجوز أن يكون في محل جرّ على أنه نعت ل{ لأخسرين } أو بدل منه ، ويكون الجواب أيضاً هو أولئك وما بعده ، وأول هذه الوجوه هو أولاها ، وجملة : { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } في محل نصب على الحال من فاعل { ضلّ } ، أي : والحال أنهم يظنون أنهم محسنون في ذلك منتفعون بآثاره ، وتكون جملة { أُوْلَئِكَ الذين كَفَرُوا بآيات رَبّهِمْ } مستأنفة مسوقة لتكميل الخسران وبيان سببه ، هذا على الوجه الأوّل الراجح لا على الوجوه الآخرة ، فإنها هي الجواب كما قدّمنا ، ومعنى كفرهم بآيات ربهم : كفرهم بدلائل توحيده من الآيات التكوينية والتنزيلية ، ومعنى كفرهم بلقائه : كفرهم بالبعث وما بعده من أمور الآخرة ، ثم رتب على ذلك قوله : { فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } أي : التي عملوها مما يظنونه حسناً ، وهو خسران وضلال ، ثم حكم عليهم بقوله : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً } أي : لا يكون لهم عندنا قدر ولا نعبأ بهم ، وقيل : لا يقام لهم ميزان توزن به أعمالهم ، لأن ذلك إنما يكون لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين ، وهؤلاء لا حسنات لهم . قال ابن الأعرابي : العرب تقول : ما لفلان عندنا وزن ، أي : قدر لخسته ، ويوصف الرجل بأنه لا وزن له لخفته ، وسرعة طيشه ، وقلة تثبته . والمعنى على هذا : أنهم لا يعتدّ بهم ولا يكون لهم عند الله قدر ولا منزلة ، وقرأ مجاهد ( يقيم ) بالياء التحتية ، أي : فلا يقيم الله ، وقرأ الباقون بالنون .

/خ108