السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَلَا نُقِيمُ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَزۡنٗا} (105)

ثم بيّن تعالى السبب في بطلان سعيهم بقوله تعالى : { أولئك } أي : البعداء البغضاء { الذين كفروا بآيات ربهم } أي : بدلائل توحيده من القرآن وغيره { ولقائه } أي : رؤيته لأنه يقال : لقيت فلاناً أي : رأيته فإن قيل : اللقاء عبارة عن الوصول قال تعالى : { فالتقى الماء على أمر قد قدر } [ القمر ، 12 ] وذلك في حق اللّه تعالى محال فوجب حملة على لقاء ثواب اللّه تعالى كما قال بعض المفسرين أجيب : بأنّ لفظ اللقاء ، وإن كان عبارة عن الوصول إلا أن استعماله في الرؤية مجاز ظاهر مشهور والذي يقول : إن المراد لقاء ثواب اللّه قال : لا يتم إلا بالإضمار وحمل اللفظ على المجاز المتعارف المشهور أولى من حمله على ما يحتاج إلى الإضمار ، ثم قال تعالى : { فحبطت } أي : فبسبب جحدهم الدلائل بطلت { أعمالهم } فصارت هباءً منثوراً فلا يثابون عليها ، وفي قوله تعالى : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } قولان ؛ أحدهما : أنا نزدري بهم وليس لهم عندنا وزن ومقدار ، تقول العرب : ما لفلان عندي وزن أي : قدر لخسته ، وروى أبو هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند اللّه جناح بعوضة » ، وقال : اقرؤوا إن شئتم { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } » ، الثاني : لا نقيم لهم ميزاناً لأن الميزان إنما يوضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين ليتميز مقدار الطاعات ومقدار السيئات ، وقال أبو سعيد الخدري : تأتي ناس بأعمالهم يوم القيامة عندهم في التعظيم كجبال تهامة فإذا وزنوها لم تزن شيئاً فذلك قوله تعالى : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } .