فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ} (27)

{ وَأَذّن فِي الناس بالحج } قرأ الحسن وابن محيصن : «وآذن » بتخفيف الذال والمدّ . وقرأ الباقون بتشديد الذال ، والأذان الإعلام ، وقد تقدّم في براءة .

قال الواحدي : قال جماعة المفسرين : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت جاءه جبريل فأمره أن يؤذن في الناس بالحج ، فقال : يا ربّ ، من يبلغ صوتي ؟ فقال الله سبحانه : أذن وعليّ البلاغ ، فعلا المقام فأشرف به حتى صار كأعلى الجبال ، فأدخل أصبعيه في أذنيه وأقبل بوجهه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً وقال : يا أيها الناس ، كتب عليكم الحج إلى البيت فأجيبوا ربكم ، فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء : لبيك اللّهم لبيك . وقيل : إن الخطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم . والمعنى : أعلمهم يا محمد بوجوب الحجّ عليهم ، وعلى هذا فالخطاب لإبراهيم انتهى عند قوله : { والركع السجود } وقيل : إن خطابه انقضى عند قوله : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت } وأن قوله : { أَن لاَ تُشْرِكْ بِي } وما بعده خطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقرأ الجمهور { بالحجّ } بفتح الحاء ، وقرأ ابن أبي إسحاق في كل القرآن بكسرها { يَأْتُوكَ رِجَالاً } هذا جواب الأمر ، وعده الله إجابة الناس له إلى حجّ البيت ما بين راجل وراكب ، فمعنى { رجالاً } : مشاة ، جمع راجل . وقيل : جمع رجل . وقرأ ابن أبي إسحاق «رجالاً » بضم الراء وتخفيف الجيم . وقرأ مجاهد : «رجالى » على وزن فعالى مثل كسالى . وقدّم الرجال على الركبان في الذكر لزيادة تعبهم في المشي ، وقال : { يأتوك } وإن كانوا يأتون البيت ، لأن من أتى الكعبة حاجاً فقد أتى إبراهيم ، لأنه أجاب نداءه { وعلى كُلّ ضَامِرٍ } عطف على { رجالا } أي وركباناً على كل بعير . والضامر : البعير المهزول الذي أتعبه السفر ، يقال : ضمر يضمر ضموراً ، ووصف الضامر بقوله : { يَأْتِينَ } باعتبار المعنى ؛ لأن ضامر في معنى ضوامر ، وقرأ أصحاب ابن مسعود وابن أبي عبلة والضحاك «يأتون » على أنه صفة ل{ رجالاً } . والفجّ : الطريق الواسع ، الجمع فجاج ، والعميق : البعيد . واللام في { ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ } متعلقة بقوله : { يأتوك } وقيل : بقوله : و{ أذن } والشهود : الحضور ، والمنافع هي تعمّ منافع الدنيا والآخرة . وقيل : المراد بها : المناسك . وقيل : المغفرة ؛ وقيل : التجارة كما في قوله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً من رَبّكُمْ } [ البقرة : 198 ] .

/خ29