فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَأُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمۡ وَٰحِدٞ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (46)

{ وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ } أي إلاّ بالخصلة التي هي أحسن ، وذلك على سبيل الدعاء لهم إلى الله عزّ وجلّ والتنبيه لهم على حججه وبراهينه رجاء إجابتهم إلى الإسلام ، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة { إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } بأن أفرطوا في المجادلة ولم يتأدّبوا مع المسلمين فلا بأس بالإغلاظ عليهم والتخشين في مجادلتهم ، هكذا فسر الآية أكثر المفسرين بأن المراد بأهل الكتاب : اليهود والنصارى . وقيل معنى الآية : لا تجادلوا من آمن بمحمد من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وسائر من آمن منهم { إلاّ بالتي هي أحسن } يعني : بالموافقة فيما حدّثوكم به من أخبار أهل الكتاب ، ويكون المراد بالذين ظلموا على هذا القول هم الباقون على كفرهم .

وقيل هي الآية منسوخة بآيات القتال ، وبذلك قال قتادة ، ومقاتل . قال النحاس : من قال هذه منسوخة ، احتج بأن الآية مكية ، ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض ، ولا طلب جزية ولا غير ذلك . قال سعيد بن جبير ومجاهد : إن المراد بالذين ظلموا منهم : الذين نصبوا القتال للمسلمين فجدالهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية { وَقُولُواْ ءَامَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا } من القرآن { وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } من التوراة والإنجيل ، أي آمنا بأنهما منزلان من عند الله ، وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإسلامية والبعثة المحمدية ، ولا يدخل في ذلك ما حرّفوه وبدّلوه { وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ } لا شريك له ولا ضدّ ولا ندّ { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي ونحن معاشر أمة محمد مطيعون له خاصة ، لم نقل عزير ابن الله ، ولا المسيح ابن الله ، ولا اتخذنا أحبارنا ورهباننا أرباباً من دون الله ، ويحتمل أن يراد : ونحن جميعاً منقادون له ، ولا يقدح في هذا الوجه كون انقياد المسلمين أتمّ من انقياد أهل الكتاب وطاعتهم أبلغ من طاعاتهم .

/خ46