فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ} (14)

قوله : { زُيّنَ لِلنَّاسِ } الخ : كلام مستأنف لبيان حقارة ما تستلذه الأنفس في هذه الدار ، والمزين قيل : هو الله سبحانه ، وبه قال عمر ، كما حكاه عنه البخاري ، وغيره ، ويؤيد قوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لهَا لِنَبْلُوَهُمْ } [ الكهف : 7 ] . وقيل : المزين هو الشيطان ، وبه قال الحسن ، حكاه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه . وقرأ الضحاك : «زين » على البناء للفاعل . وقرأه الجمهور على البناء للمفعول . والمراد بالناس : الجنس . والشهوات جمع شهوة ، وهي نزوع النفس إلى ما تريده . والمراد هنا : المشتهيات عبر عنها بالشهوات ، مبالغة في كونها مرغوباً فيها ، أو تحقيراً لها ؛ لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية ، ووجه تزيين الله سبحانه لها : ابتلاء عباده ، كما صرح به في الآية الأخرى . وقوله : { مِنَ النساء والبنين } في محل الحال : أي : زين للناس حب الشهوات حال كونها من النساء ، والبنين الخ . وبدأ بالنساء لكثرة تشوّق النفوس إليهنّ ؛ لأنهن حبائل الشيطان ، وخص البنين دون البنات ؛ لعدم الاطراد في محبتهن . والقناطير جمع قنطار ، وهو اسم للكثير من المال . قال الزجاج : القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه : تقول العرب قنطرت الشيء : إذا أحكمته ، ومنه سميت القنطرة لإحكامها . وقد اختلف في تقديره على أقوال للسلف ستأتي إن شاء الله . واختلفوا في معنى { المقنطرة } ، فقال ابن جرير الطبري : معناها المضعفة ، وقال القناطير : ثلاثة ، والمقنطرة تسعة . وقال الفراء : القناطير جمع القنطار ، والمقنطرة جمع الجمع ، فتكون تسع قناطير ، وقيل : المقنطرة : المضروبة ، وقيل : المكلمة كما يقال : بدرة مبدرة ، وألوف مؤلفة ، وبه قال مكي ، وحكاه الهروي . وقال ابن كيسان : لا تكون المقنطرة أقلّ من سبع قناطير . وقوله : { مِنَ الذهب والفضة } بيان للقناطير ، أو حال { والخيل المسومة } قيل : هي المرعية في المروج ، والمسارح ، يقال سامت الدابة ، والشاة : إذا سرحت ، وقيل : هي المعدّة للجهاد . وقيل : هي الحسان ، وقيل : المعلمة من السومة ، وهي العلامة ، أي : التي يجعل عليها علامة لتتميز عن غيرها . وقال ابن فارس في المجمل : المسومة : المرسلة ، وعليها ركبانها . وقال ابن كيسان : البلق . والأنعام هي : الإبل ، والبقر ، والغنم ، فإذا قلت : نِعَمّ : فهي الإبل خاصة قاله الفراء ، وابن كيسان ، ومنه قول حسان :

وَكَانَتْ لا يَزَالُ بِها أنِيس *** خِلاَلَ مُروجَهَا نَعمٌ وشَاءُ

والحرث : اسم لكل ما يحرث ، وهو مصدر سمي به المحروث ، يقول حرث الرجل حرثاً : إذا أثار الأرض ، فيقع على الأرض ، والزرع . قال ابن الأعرابي الحرث : التفتيش . قوله : { ذلك متاع الحياة الدنيا } أي : ذلك المذكور ما يتمتع به ، ثم يذهب ، ولا يبقى ، وفيه تزهيد في الدنيا ، وترغيب في الآخرة . و { المآب } : المرجع آب يئوب إياباً : إذا رجع ، ومنه قول امرئ القيس :

لَقَد طَوّفْتُ فِي الآفَاقِ حَتَّى *** رَضِيتُ منَ الغَنِيمةِ بالإيَّابِ

/خ17