قوله : { قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ } أي : علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم ، وهذه الجملة جواب قسم محذوف ، وهي : من تمام القول المأمور به لتقرير مضمون ما قبله ، ولم يقل " كانت " ؛ لأن التأنيث غير حقيقي . وقال الفراء : إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه ، وبين الاسم بقوله : { لَكُمْ } . والمراد بالفئتين : المسلمون ، والمشركون لما اتقوا يوم بدر . قوله : { فِئَةٌ تقاتل فِي سَبِيلِ الله } قراءة الجمهور برفع { فئة } . وقرأ الحسن ، ومجاهد «فئة » و«كافرة » بالخفض ، فالرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف ، أي : إحداهما فئة . وقوله : { تقاتل } في محل رفع على الصفة ، والجرّ على البدل من قوله : { فِئَتَيْنِ } . وقوله : { وأخرى } أي : وفئة أخرى كافرة . وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب فيهما . قال ثعلب : هو على الحال ، أي : التقتا مختلفتين ، مؤمنة ، وكافرة . وقال الزجاج : النصب بتقدير أعني ؛ وسميت الجماعة من الناس فئة ؛ لأنه يفاء إليها : أي : يرجع إليها في وقت الشدة . وقال الزجاج : الفئة : الفرقة مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف : إذا قطعته ، ولا خلاف أن المراد بالفئتين هما : المقتتلتان في يوم بدر ، وإنما وقع الخلاف في المخاطب بهذا الخطاب ، فقيل : المخاطب بها : المؤمنون . وقيل : اليهود . وفائدة الخطاب للمؤمنين : تثبيت نفوسهم ، وتشجيعها ، وفائدته إذا كان مع اليهود عكس الفائدة المقصودة بخطاب المسلمين .
قوله : { يَرَوْنَهُمْ مثْلَيْهِمْ } قال أبو علي الفارسي : الرؤية في هذه الآية رؤية العين ، ولذلك تعدت إلى مفعول واحد ، ويدل عليه قوله : { رَأْىَ العين } والمراد أنه يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين ، أو مثلي عدد المسلمين ، وهذا على قراءة الجمهور بالياء التحتية ، وقرأ نافع بالفوقية . وقوله : { مثْلَيْهِمْ } منتصب على الحال . وقد ذهب الجمهور إلى أن فاعل ترون هم المؤمنون ، والمفعول هم الكفار . والضمير في مثليهم يحتمل أن يكون للمشركين ، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد ، وفيه بُعْد أن يكثر الله المشركين في أعين المؤمنين ، وقد أخبرنا أنه قللهم في أعين المؤمنين ، فيكون المعنى ترون أيها المسلمون المشركين مثليكم في العدد ، وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين ، فأراهم إياهم مثلي عدتهم لتقوى أنفسهم . وقد كانوا أعلموا أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار ، ويحتمل أن يكون الضمير في { مثليهم } للمسلمين ، أي : ترون أيها المسلمون أنفسكم مثلي ما أنتم عليه من العدد لتقوى بذلك أنفسكم ، وقد قال من ذهب إلى التفسير الأوّل - أعني : أن فاعل الرؤية المشركون ، وأنهم رأوا المسلمين مثلي عددهم - أنه لا يناقض هذا ما في سورة الأنفال من قوله تعالى :
{ وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ } [ الأنفال : 44 ] بل قللوا أوّلا في أعينهم ليلاقوهم ، ويجترئوا عليهم ، فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا . قوله : { رَأْىَ العين } مصدر مؤكد لقوله : { يَرَوْنَهُمْ } أي : رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها { والله يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء } أي : يقوّي من يشاء أن يقويه ، ومن جملة ذلك تأييد أهل بدر بتلك الرؤية { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي : في رؤية القليل كثيراً { لَعِبْرَةً } فعلة من العبور ، كالجلسة من الجلوس . والمراد الاتعاظ ، والتنكير للتعظيم ، أي : عبرة عظيمة ، وموعظة جسيمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.