فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة محمد

وتسمى سورة القتال ، وسورة الذين كفروا . وهي تسع وثلاثون آية ، وقيل ثمان وثلاثون وهي مدنية . قال الماوردي : في قول الجميع ، إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا : إلا آية منها نزلت بعد حجة الوداع حين خرج من مكة وجعل ينظر إلى البيت وهو يبكي حزناً عليه ، فنزل قوله تعالى : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك } وقال الثعلبي : إنها مكية . وحكاه ابن هبة الله عن الضحاك وسعيد بن جبير وهو غلط من القول ، فالسورة مدنية كما لا يخفى . وقد أخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال : نزلت سورة القتال بالمدينة . وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه قال : نزلت سورة محمد بالمدينة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال : نزلت بالمدينة سورة الذين كفروا . وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهم في المغرب { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } .

قوله : { الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله } هم كفار قريش كفروا بالله ، وصدّوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله ، وهو دين الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه ، كذا قال مجاهد ، والسديّ . وقال الضحاك : معنى { عن سبيل الله } : عن بيت الله بمنع قاصديه . وقيل : هم أهل الكتاب ، والموصول مبتدأ وخبره { أَضَلَّ أعمالهم } أي أبطلها وجعلها ضائعة . قال الضحاك : معنى { أَضَلَّ أعمالهم } : أبطل كيدهم ومكرهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وجعل الدائرة عليهم في كفرهم . وقيل : أبطل ما عملوه في الكفر مما كانوا يسمونه مكارم أخلاق ، من صلة الأرحام ، وفكّ الأسارى وقري الأضياف ، وهذه وإن كانت باطلة من أصلها ، لكن المعنى : أنه سبحانه حكم ببطلانها .

/خ12