فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ} (29)

لما بيّن سبحانه أن في الإنس من آمن ، وفيهم من كفر ، بيّن أيضاً أن في الجنّ كذلك ، فقال : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ الجن } العامل في الظرف مقدّر : أي واذكر إذ صرفنا . أي وجهنا إليك نفراً من الجنّ ، وبعثناهم إليك ، وقوله : { يَسْتَمِعُونَ القرءان } في محل نصب صفة ثانية ل { نفراً } أو حال لأن النكرة قد تخصصت بالصفة الأولى { فَلَمَّا حَضَرُوهُ } أي حضروا القرآن عند تلاوته ، وقيل : حضروا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة ، والأول أولى { قَالُواْ أَنصِتُواْ } أي قال بعضهم لبعض : اسكتوا ، أمروا بعضهم بعضاً بذلك ؛ لأجل أن يسمعوا { فَلَمَّا قُضِىَ } قرأ الجمهور { قُضِيَ } مبنياً للمفعول : أي فرغ من تلاوته . وقرأ حبيب بن عبيد الله بن الزبير ، ولاحق بن حميد ، وأبو مجلز على البناء للفاعل : أي فرغ النبيّ صلى الله عليه وسلم من تلاوته ، والقراءة الأولى تؤيد أن الضمير في { حَضَرُوهُ } للقرآن ، والقراءة الثانية تؤيد أنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم { وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } أي انصرفوا قاصدين إلى من وراءهم من قومهم منذرين لهم عن مخالفة القرآن ، ومحذرين لهم ، وانتصاب : { منذرين } على الحال المقدّرة ، أي مقدّرين الإنذار ، وهذا يدل على أنهم آمنوا بالنبيّ ، وسيأتي في آخر البحث بيان ذلك .

/خ35