فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ هَلۡ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلُ وَأَنَّ أَكۡثَرَكُمۡ فَٰسِقُونَ} (59)

قوله : { قُلْ يا أهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا } يقال : نقمت على الرجل فأنا ناقم : إذا عبت عليه . قال الكسائي : نقمت بالكسر لغة ، ونقمت الأمر أيضاً ونقمته : إذا كرهته ، وانتقم الله منه : أي عاقبه ، والاسم منه النقمة ، والجمع نقمات ، مثل كلمة وكلمات ، وإن شئت سكنت القاف ونقلت حركتها إلى النون ، والجمع نقم مثل نعمة ونعم ؛ وقيل : المعنى يسخطون ؛ وقيل : ينكرون . قال عبد الله بن قيس الرقيات :

ما نقموا من بني أمية إلا *** أنهم يحلمون إن غضبوا

وقال الله سبحانه : { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ }والمعنى في الآية : هل تعيبون أو تسخطون أو تنكرون أو تكرهون منا إلا إيماننا بالله وبكتبه المنزلة ، وقد علمتم بأنا على الحق { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون } بترككم للإيمان ، والخروج عن امتثال أوامر الله . وقوله : { وَأَنْ أَكْثَرَكُمْ فاسقون } معطوف على { أن آمنا } أي ما تنقمون منا إلا الجمع بين إيماننا وبين تمرّدكم وخروجكم عن الإيمان . وفيه أن المؤمنين لم يجمعوا بين الأمرين المذكورين ، فإن الإيمان من جهتهم والتمرّد والخروج من جهة الناقمين ؛ وقيل هو على تقدير محذوف أي واعتقادنا أن أكثركم فاسقون .

وقيل : إن قوله { أَنْ آمَنَّا } هو منصوب على أنه مفعول له ، والمفعول محذوف ، فيكون { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون } معطوفاً عليه عطف العلة على العلة ، والتقدير : وما تنقمون منا إلا لأن آمنا ، ولأن أكثركم فاسقون ، وقيل : معطوف على علة محذوفة ، أي لقلة إنصافكم ، ولأن أكثركم فاسقون . وقيل الواو في قوله : { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون } هي التي بمعنى مع أي ما تنقمون منا إلا الإيمان مع أن أكثركم فاسقون . وقيل : هو منصوب بفعل محذوف يدل عليه هل تنقمون أي ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون وقيل : هو مرفوع على الابتداء والخبر محذوف أي وفسقكم معلوم فتكون الجملة حالية ، وقرئ بكسر إن من قوله : { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون } فتكون جملة مستأنفة .

/خ63