فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (60)

قوله : { قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذلك } بين الله سبحانه لرسوله أن فيهم من العيب ما هو أولى بالعيب ، وهو ما هم عليه من الكفر الموجب للعن الله وغضبه ومسخه ؛ والمعنى : هل أنبئكم بشر من نقمكم علينا أو بشرّ مما تريدون لنا من المكروه أو بشرّ من أهل الكتاب أو بشرّ من دينهم . وقوله : { مَثُوبَةً } أي جزاء ثابتاً ، وهي مختصة بالخير كما أن العقوبة مختصة بالشرّ . ووضعت هنا موضع العقوبة على طريقة { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وهي منصوبة على التمييز من بشرّ . وقوله : { مَن لَّعَنَهُ الله } خبر لمبتدأ محذوف مع تقدير مضاف محذوف : أي هو لعن من لعنه الله أو هو دين من لعنه الله ، ويجوز أن يكون في محل جر بدلاً من شرّ . قوله : { وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير } أي مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير وهم اليهود ، فإن الله مسخ أصحاب السبت قردة ، وكفار مائدة عيسى منهم خنازير .

وقوله : { وَعَبَدَ الطاغوت } قرأ حمزة بضم الباء من عبد وكسر التاء من " الطاغوت " أي جعل منهم عبد الطاغوت بإضافة عبد إلى الطاغوت . والمعنى : وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت ، لأن فعل من صيغ المبالغة ؛ كحذر وفطن للتبليغ في الحذر والفطنة . وقرأ الباقون بفتح الباء من { عَبْدُ } وفتح التاء من { الطاغوت } على أنه فعل ماض معطوف على فعل ماض وهو غضب ولعن ، كأنه قيل : ومن عبد الطاغوت ، أو معطوف على القردة والخنازير : أي جعل منهم القردة والخنازير ، وجعل منهم عبد الطاغوت حملاً على لفظ { من } . وقرأ أبيّ وابن مسعود { وَعَبَدوا الطاغوت } حملاً على معناها . وقرأ ابن عباس { وعبد } بضم العين والباء كأنه جمع عبد ، كما يقال : سقف وسقف . ويجوز أن يكون جمع عبيد ، كرغيف ورغف ، أو جمع عابد كبازل وبزل . وقرأ أبو واقد «وعباد » جمع عابد للمبالغة ، كعامل وعمال . وقرأ البصريون و { عباد } جمع عابد أيضاً ، كقائم وقيام ، ويجوز أن يكون جمع عبد .

وقرأ أبو جعفر الرقاشي «وعبد الطاغوت » على البناء للمفعول ، والتقدير وعبد الطاغوت فيهم . وقرأ عون العقيلي ، وابن بريدة «وعابد الطاغوت » على التوحيد . وروي عن ابن مسعود وأبيّ أنهما قرآ «وعبدة الطاغوت » وقرأ عبيد بن عمير «وأعبد الطاغوت » مثل كلب وأكلب . وقرئ «وَعَبَدَ الطاغوت » عطفاً على الموصول بناء على تقدير مضاف محذوف ، وهي قراءة ضعيفة جداً ، والطاغوت : الشيطان أو الكهنة أو غيرهما مما قد تقدّم مستوفى .

قوله : { أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً } الإشارة إلى الموصوفين بالصفات المتقدمة ، وجعلت الشرارة للمكان ، وهي لأهله للمبالغة ، ويجوز أن يكون الإسناد مجازياً . قوله : { وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السبيل } معطوف على شرّ ، أي هم أضلّ من غيرهم عن الطريق المستقيم ، والتفضيل في الموضعين للزيادة مطلقاً أو لكونهم أشرّ وأضل مما يشاركهم في أصل الشرارة والضلال .

/خ63