غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ هَلۡ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلُ وَأَنَّ أَكۡثَرَكُمۡ فَٰسِقُونَ} (59)

59

التفسير : لما حكى عنهم أنهم اتخذوا دين الإسلام هزواً ولعباً قال لهم : ما الذي تنقمون من أهل هذا الدين . نقمت على الجل أنقم بالكسر ، إذا عتبت عليه ، ونقمت بالكسر لغة ونقمت الأمر أيضاً إذا كرهته وأنكرته . وسمى العقاب نقمة لأنه يجب على ما ينكر من الفعل . والمعنى هل تعيبون منا وتنكرون إلاّ الإيمان بالكتب المنزلة كلها ؟ وليس هذا مما يوجب عتباً وعيباً لأن الإيمان بالله رأس جميع الطاعات ، وأما الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء عليهم السلام فهو الحق الذي لا محيد عنه لأن الطريق إلى تصديق الأنبياء هو المعجز وأنه حاصل في الكل فلا وجه للإيمان ببعض والكفر ببعض . ثم عطف عليه : { وأن أكثركم فاسقون } والمراد ما تنقمون منا إلاّ الجمع بين إيماننا وبين تمرّدكم كأنه قيل : ما تنكرون منا إلاّ مخالفتكم فآمنا وما فسقنا مثلكم . وفيه من حسن الازدواج والطباق ما فيه كقول القائل : هل تنقم مني إلاّ أني عفيف وأنك فاجر . ويجوز أن يعطف على المجرور أي ما تنقمون منا إلاّ الإيمان بالله وبما أنزل وبأن أكثركم خارجون عن الدين ، ويجوز أن تكون الواو بمعنى " مع " أي ما تنكرون منا إلاّ الإيمان مع فسقكم لأن أحد الخصمين إذا كان مكتسباً للصفات الحميدة مع اتصاف الآخر بالصفات الذميمة كان ذلك أشد تأثيراً في وقوع البغض والحسد في قلب الخصم .

ويحتمل أن يكون تعليلاً معطوفاً على تعليل محذوف أي ما تنقمون منا إلاّ الإيمان لقلة إنصافكم ولأجل فسقكم ، ومن هنا قال الحسن في تفسيره : بفسقكم نقمتم ذلك علينا . ويجوز أن ينتصب بفعل محذوف يدل عليه ما قبله أي ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون ، أو يرتفع بالابتداء والخبر محذوف أي وفسقكم ثابت محقق عندكم إلا أن حب الجاه والمال يدعوكم إلى عدم الإنصاف . وإنما خص الأكثر بالفسق مع أن اليهود كلهم فساق تعريضاً بأحبارهم ورؤسائهم الطالبين للرياسة والمال والتقرب إلى الملوك . والمراد أن أكثرهم في دينهم فساق لا عدول ، فإن الكافر والمبتدع قد يكون عدل دينه أو ذكر أكثرهم لئلا يظن أن من آمن منهم داخل في ذلك . قال ابن عباس : أتى نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ؟ فقال : أؤمن بالله { وما أنزلنا إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل }[ البقرة :136 ] إلى قوله { ونحن له مسلمون } [ البقرة :136 ]

/خ69