فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ هَلۡ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلُ وَأَنَّ أَكۡثَرَكُمۡ فَٰسِقُونَ} (59)

{ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا } أي تكرهون من أوصافنا وأحوالنا ، قرأ الجمهور بكسر القاف وقرأ بفتحها ، وهاتان مفرعتان على الماضي وفيه لغتان ، الفصحى نقم بفتح القاف ينقم بكسرها حكاها ثعلب ، والأخرى بعكس ذلك فيهما حكاها الكسائي ، ولم يقرأ قوله : { وما نقموا } إلا بالفتح وأصل نقم أن يتعدى بعلى ، يقال نقمت على الرجل أنقم بالكسر فأنا ناقم إذا عتبت إليه ، وإنما عدي هنا بمن لتضمنه معنى تكرهون وتنكرون .

في الصحاح ما نقمت منه إلا الإحسان ، وقال الكسائي : نقمت بالكسر لغة ، ونقمت الأمر أيضا ونقمته إذا كرهته ، وانتقم الله منه أي عاقبه ، والاسم منه النقمة والجمع نقمات ونقم مثل كلمة وكلمات وكلم ، وإن شئت سكنت القاف ونقلت حركتها إلى النون فقلت نقمة والجمع نقم مثل نعمة ونعم ، وقيل المعنى تسخطون وقيل تنكرون أي تعيبون أو تسخطون أو تنكرون أو تكرهون منا .

{ إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل } أي إلا إيماننا بالله وبكتبه المنزلة وقد علمتم بأنا على الحق ، وهذا على سبيل التعجب من فعل أهل الكتاب ، والاستثناء مفرغ أي ليس هذا مما ينكر أو ينقم به .

{ وإن أكثركم فاسقون } بترككم الإيمان ، والخروج عن امتثال أوامر الله أي ما تنقمون منا إلا الجمع بين إيماننا وبين تمردكم وخروجكم عن الإيمان .

وفيه أن المؤمنين لم يجمعوا بين الأمرين المذكورين ، فإن الأيمان من جهتهم ، والتمرد والخروج من الناقمين ، وقيل هو على تقدير محذوف أي واعتقادنا أن أكثرهم فاسقون وقيل غير ذلك .