نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ هَلۡ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلُ وَأَنَّ أَكۡثَرَكُمۡ فَٰسِقُونَ} (59)

ولما كانت النفوس نزاعة إلى الهوى ، عمية عن المصالح ، جامحة{[26516]} عن الدواء بما وقفت عنده من النظر إلى زينة{[26517]} الحياة الدنيا ، وكان الدليل على سلب العقل عن أهل الكتاب دليلاً على العرب بطريق الأولى ، وكان أهل الكتاب لكونهم أهل علم لا ينهض بمحاجتهم إلا{[26518]} الأفراد من خلص العباد ، قال تعالى دالاً على ما ختم به الآية من عدم عقلهم آمراً لأعظم خلقه بتبكيتهم{[26519]} وتوبيخهم وتقريعهم : { قل } وأنزلهم بمحل البعد فقال مبكتاً لهم بكون العلم لم يمنعهم عن الباطل : { يا أهل الكتاب } أي من اليهود والنصارى { هل تنقمون } أي تنكرون وتكرهون وتعيبون { منا إلا أن آمنا } أي أوجدنا الإيمان{[26520]} { بالله } أي لما له من صفات الكمال التي ملأت الأقطار وجاوزت حد الإكثار { وما أنزل إلينا } أي لما له من الإعجاز في حالات الإطناب والتوسط والإيجاز { وما أنزل } .

ولما كان إنزال الكتب والصحف لم يستغرق زمان المضي ، أثبت الجار فقال : { من قبل } أي{[26521]} لما شهد له كتابنا ، وهذه الأشياء التي آمنا بها لا يحيد فيها عاقل ، لما لها من الأدلة التي وضوحها يفوق الشمس ، فحسنها لا شك فيه ولا لبس { وأن } أي آمنا كلنا مع أن أو و{[26522]} الحال أن { أكثركم } قيد به إخراجاً لمن يؤمن منهم بما دل عليه التعبير بالوصف { فاسقون * } أي عريقون{[26523]} في الفسق ، وهو الخروج عن دار السعادة بحيث لا يمكن منهم رجوع إلى المرضى من العبادة ، فبين أنهم لا ينقمون من المؤمنين إلا المخالفة{[26524]} ، والمخالفة إنما هي بإيمان المسلمين بالله وما أمر به ، وكفر أهل الكتاب بجميع ذلك مع علمهم بما تقدم لهم أن من آمن بالله{[26525]} كان الله معه ، فنصره على كل{[26526]} من يناويه ، وجعل مآله إلى الفوز الدائم ، وأن من كفر تبرأ منه فأهلكه في الدنيا ، وجعل مآله إلى عذاب لا ينقضي{[26527]} سعيره ، ولا ينصرم أنينه وزفيره ، ومن ركب ما{[26528]} يؤديه إلى ذلك على علم منه واختيار لم يكن أصلاً أحد أضل منه ولا أعدم عقلاً ، وتخصيص النقم بما صدر من المؤمنين يمنع عطف { وأن } على { أن{[26529]} آمنا } .


[26516]:في ظ: جامحه- كذا.
[26517]:زيد من ظ.
[26518]:سقط من ظ.
[26519]:في ظ: تبكيتهم.
[26520]:في ظ: لإيمان.
[26521]:زيد من ظ.
[26522]:زيد من ظ.
[26523]:في ظ: غريقون.
[26524]:في ظ: المخالفين.
[26525]:زيد من ظ.
[26526]:سقط من ظ.
[26527]:من ظ، وفي الأصل: لا تنقضي.
[26528]:في ظ: بما.
[26529]:سقط من ظ.