فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النجم

هي إحدى وستون آية ، وقيل ثنتان وستون آية وهي مكية جميعها في قول الجمهور . وروي عن ابن عباس وعكرمة أنها مكية إلا آية منها . وهي قوله : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } الآية . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة النجم بمكة ، وأخرج أيضاً عن ابن الزبير مثله . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال : أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم ، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الناس كلهم ، إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه ، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً ، وهو أمية بن خلف . وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : أول سورة استعلن بها النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها : والنجم . وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال : «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ النجم ، فسجد بنا فأطال السجود » . وأخرج ابن مردويه عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ النجم فلما بلغ السجدة سجد فيها » . وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والطبراني وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال : قرأت النجم عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد فيها . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في النجم بمكة ، فلما هاجر إلى المدينة تركها . وأخرج أيضاً عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة .

قوله : { والنجم إِذَا هوى } التعريف للجنس ، والمراد جنس النجوم ، وبه قال جماعة من المفسرين ، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :

أحسن النجم في السماء الثريا *** والثريا في الأرض زين النساء

وقيل : المراد به : الثريا ، وهو اسم غلب فيها ، تقول العرب : النجم ، وتريد به الثريا ، وبه قال مجاهد وغيره ، وقال السديّ ، النجم هنا : هو الزهرة ، لأن قوماً من العرب كانوا يعبدونها ، وقيل : النجم هنا : النبت الذي لا ساق له ، كما في قوله : { والنجم والشجر يَسْجُدَانِ } [ الرحمن : 6 ] قاله الأخفش . وقيل : النجم محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : النجم القرآن ، وسمي نجماً لكونه نزل منجماً مفرّقاً ، والعرب تسمي التفريق تنجيماً ، والمفرّق : المنجم ، وبه قال مجاهد والفراء وغيرهما والأوّل أولى . قال الحسن : المراد بالنجم : النجوم إذا سقطت يوم القيامة . وقيل المراد بها : النجوم التي ترجم بها الشياطين ، ومعنى هويّه : سقوطه من علو ، يقال : هوى النجم يهوي هوياً : إذا سقط من علو إلى سفل ، وقيل : غروبه ، وقيل : طلوعه ، والأوّل أولى ، وبه قال الأصمعي وغيره ، ومنه قول زهير :

تسيح بها الأباعر وهي تهوى *** هويّ الَّدلْوِ أسْلَمَها الرشَاءُ

ويقال : هوى في السير : إذا مضى ، ومنه قول الشاعر :

بينما نَحْنُ بالبِلاكثِ فالقا *** عِ سِراعاً والعِيسُ تَهْوِى هُويا

خَطَرتْ خَطْرة على القلب من ذك *** رَاكِ وَهناً فما استطعت مُضيا

ومعنى الهوَيّ على قول من فسر النجم بالقرآن : أنه نزل من أعلا إلى أسفل ، وأما على قول من قال إنه الشجر الذي لا ساق له ، أو أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا يظهر للهويّ معنى صحيح ، والعامل في الظرف فعل القسم المقدّر .

/خ26