فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأۡسَنَاۗ قُلۡ هَلۡ عِندَكُم مِّنۡ عِلۡمٖ فَتُخۡرِجُوهُ لَنَآۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَخۡرُصُونَ} (148)

أخبر الله عن المشركين أنهم سيقولون هذه المقالة ، وهم كفار قريش أو جميع المشركين ، يريدون أنه لو شاء الله عدم شركهم ما أشركوا هم ولا آباؤهم ، ولا حرّموا شيئاً من الأنعام ، كالبحيرة ونحوها ، وظنوا أن هذا القول يخلصهم عن الحجة التي ألزمهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ما فعلوه حق ، ولو لم يكن حقاً لأرسل الله إلى آبائهم الذين ماتوا على الشرك ، وعلى تحريم ما لم يحرمه الله رسلاً يأمرونهم بترك الشرك ، وبترك التحريم لما لم يحرمه الله ، والتحليل لما لم يحلله { كذلك كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ } أي مثل ما كذب هؤلاء كذب من قبلهم من المشركين أنبياء الله { حتى ذَاقُواْ بَأْسَنَا } أي استمروا على التكذيب حتى ذاقوا بأسنا الذي أنزلناه بهم ، ثم أمره الله أن يقول لهم : { هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا } أي هل عندكم دليل صحيح بعد من العلم النافع ، فتخرجوه إلينا لننظر فيه ونتدبره ، والمقصود من هذا التبكيت لهم ، لأنه قد علم أنه لا علم عندهم يصلح للحجة ، ويقوم به البرهان ، ثم أوضح لهم أنهم ليسوا على شيء من العلم ، وأنهم إنما يتبعون الظنون ، أي ما يتبعون إلا الظنّ الذي هو محل الخطأ ، ومكان الجهل { وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ } أي تتوهمون مجرّد توهم فقط كما يتوهم الخارص ، وقد سبق تحقيقه ، ثم أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أن لله الحجة البالغة على الناس : أي التي تنقطع عندها معاذيرهم ، وتبطل شبههم ، وظنونهم وتوهماتهم . والمراد بها الكتب المنزلة ، والرسل المرسلة ، وما جاءوا به من المعجزات .

/خ150