تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأۡسَنَاۗ قُلۡ هَلۡ عِندَكُم مِّنۡ عِلۡمٖ فَتُخۡرِجُوهُ لَنَآۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَخۡرُصُونَ} (148)

الآية 148 وقوله تعالى : { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } قيل : الآية في مشركي العرب ؛ قالوا ذلك حين لزمتهم المناقضة ، وانقطع حجاجهم في تحريمهم ما حرموا من الأشياء ، وأضافوا ذلك إلى الله ، وهو صلة قوله تعالى : { ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل أالذكرين حرم أم الأنثيين ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } إلى آخر ما ذكر إلى قوله تعالى : { أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا } [ الأنعام : 143 و 144 ] فلما لزمتهم المناقضة ، وانقطع حجاجهم ، فزعوا عنه .

إلى هذا القول : { لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } فيقول الله لنبيه : { كذلك كذب الذين من قبلهم } من الأمم الخالية رسلهم كما كذبك هؤلاء ، وكانوا يقولون لرسلهم ما قال لك هؤلاء { لو شاء الله ما أشركنا } إلى آخر ما ذكر .

ثم اختلف في تأويل قوله : { لو شاء الله ما أشركنا } قال الحسن والأصم : إن المشيئة ههنا الرضا ؛ قالوا : رضي الله بفعلنا /164-ب/ وصنيعنا حين{[7894]} فعل آباؤنا مثل ما فعلنا ، فلم يحل الله بينهم وبين ذلك ، ولا أخذ على أيديهم ، ولا منعهم عن ذلك ، فلو لم يرض بذلك عنهم لكان يحول ذلك عنهم ، ومنعهم عنه ، وإنما استدلوا بالرضا من الله والإذن في ما كانوا فيه يخوفون آباءهم الهلاك والعذاب بصنيعهم الذي كانوا صنعوا ، ثم رأوهم ماتوا على ذلك ، ولم يأتهم العذاب ، فاستدلوا بتأخير نزول العذاب عليهم على أن الله تعالى رضي بذلك ، والله أعلم .

وبظاهر هذه الآية للمعتزلة أدنى تعلق ؛ لأنهم يقولون : إن الله تعالى قد رد ذلك القول الذي قالوا ، وعاتبهم على ذلك القول بقوله : { وكذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا } وأوعدهم على ذلك وعيدا شديدا ، فلو كان يجوز إضافة المشيئة إلى الله تعالى في ذلك على ما تضيفون أنتم لم يكن يرد ذلك عليهم ، ولا عاتبهم على ذلك ، ولا أوعدهم وعيدا في ذلك ، دل أنه لا يجوز أن يقال ذلك ولا إضافة المشيئة إليه في ذلك .

فنقول ، وبالله التوفيق : إن المشيئة ههنا تحتمل وجوها .

أحدها : ما قال الحسن والأصم من الرضا ؛ قالوا : إن الله تعالى رضي بذلك .

والثاني : الأمر والدعاء إلى ذلك ؛ يقولون : إن الله أمرهم بذلك ، ودعاهم إلى ذلك .

والثالث : كانوا يقولون ذلك على الاستهزاء والسخرية لا على الحقيقة .

وهكذا أمر المجوس أنهم إذا قيل لهم هذا : لم لا تؤمنون [ ولا ]{[7895]} تسلمون ؟ يقولون ما قال هؤلاء : { لو شاء الله } لآمنا ، و{ ما أشركنا } . فهذا العتاب الذي لحقهم والوعيد الذي أوعدهم إنما كان لما قالوا استهزاء منهم ولما ادعوا من الأمر والادعاء{[7896]} على الله ، وافتروا عليه ، والرضا أنه رضي بذلك .

على هذه الوجوه الثلاثة تخرج المشيئة في هذا الموضع ، والله أعلم ، لا على ما قالته المعتزلة ، وهو ما ذكر في آية أخرى { ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا } ؟ [ مريم : 66 ] هو كلمة حق . لكن قالها استهزاء وهزوا ، فلحقه العتاب .

وقوله تعالى : { قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا } أي هل عندكم من بيان وحجة من الله دون أن يمهلكم{[7897]} ليعذبكم . أو ليس قد ترك من خالفكم في ذلك ؟ ثم لم يدل تركه إياهم على أنه رضي بذلك ، فقال الله تعالى : [ { إن تتبعون إلا الظن } أي ما تتبعون في ذلك { إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون } ]{[7898]} أي ما هم إلا يخرصون ، ويكذبون في ذلك ، ليست لهم حجة ولا بيان على ما يدعون من الأمر والدعاء إلى ذلك والترك على ما هم عليه على الرضا به .


[7894]:- في الأصل وم: حيث.
[7895]:- في الأصل وم: و.
[7896]:- في الأصل وم: والدعاء.
[7897]:- في الأصل وم: أمهلكم.
[7898]:- في الأصل: {إن يتبعون إلا الظن} أي ما تتبعون في ذلك {إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}، في م: {إن تتبعون إلا الظن} أي ما تتبعون في ذلك {إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}، أدرج في معجم القراءات: قرأ النخعي: إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون، وهي قراءة شاذة، انظر المعجم المذكور [2/ 332].