جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأۡسَنَاۗ قُلۡ هَلۡ عِندَكُم مِّنۡ عِلۡمٖ فَتُخۡرِجُوهُ لَنَآۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَخۡرُصُونَ} (148)

{ سيقول الذين{[1550]} أشركوا لو شاء الله } : خلاف ذلك ، { ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيء } : فإن ما لم يشأ لم يكن ، وما شاء فهو مرضي مأمور به فأرادوا بذلك أن ما هم عليه مرضي عند الله مأمور به ، { كذلك كذّب الذين من قبلهم } : أي : بهذه الشبهة الداحضة كذب الأمم السالفة أنبياءهم ، { حتى ذاقوا بأسنا } : فعلموا أنهم على دين مبغوض غير مرضي أراد الله لهم خزيهم وسوء شكيمتهم{[1551]} ، { قل هل عندكم من علم } : يدل على رضى الله عنكم فيما أنتم عليه ، { فتُخرجوه لنا } : تظهروه لنا ، { إن تتّبعون إلا الظن } : في ذلك لا العلم ، { وإن أنتم إلا تخرصون{[1552]} } : تكذبون على الله فإنه منع الشرك ، وغضب على المشركين مع أنه لا يجري في ملكه إلا ما يشاء لا يزاحمه أحد تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا .


[1550]:ولما بطل احتجاج المشركين في تحريم ما زعموا حرمته وثبت الرد عليهم عدلوا إلى أمر حق مغالطة، وإلحاد أو علم الله تعالى ذلك قبل وقوعه فأخبر به وردهم وقال: (سيقول الذين) الآية./12.
[1551]:والشكيمة الأنفة، ومن اللجام الحديدة المعترضة في فم الفرس يقال: فلان شديد الشكيمة إذا كان أنفا أبيا، في مَثَل: ذو شكيمة لا ينقاد/12 صراح.
[1552]:فالحاصل أنهم اعتقدوا عدم التفرقة بين المأمور المرضي والمشيئة كما اعتقدت المعتزلة فاحتجوا على حقية الإشراك، وينادي على ذلك قوله: (كذلك كذب): فإنه لو كان المراد أن ذلك بمشيئة الله تعالى لقال: (كذلك كذب) بالتخفيف لا بالتشديد، وهذه الآية عند من له أذن واعية تصيح على المعتزلة بالويل والثبور لكن في آذانهم وقر، ومن لم يهده الله فلا هادي له/12 وجيز.