فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُواْ بَيۡنَكُم بِمَعۡرُوفٖۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥٓ أُخۡرَىٰ} (6)

قوله : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم } هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان ما يجب للنساء من السكنى ، ومن للتبعيض : أي بعض مكان سكناكم ، وقيل : زائدة { مّن وُجْدِكُمْ } أي من سعتكم وطاقتكم ، والوجد القدرة . قال الفرّاء : يقول على ما يجد ، فإن كان موسعاً عليه وسع عليها في المسكن والنفقة ، وإن كان فقيراً فعلى قدر ذلك . قال قتادة : إن لم تجد إلاّ ناحية بيتك فأسكنها فيه .

وقد اختلف أهل العلم في المطلقة ثلاثاً ، هل لها سكنى ونفقة أم لا ؟ فذهب مالك والشافعي أن لها السكنى ولا نفقة لها . وذهب أبو حنيفة وأصحابه أن لها السكنى والنفقة . وذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور أنه لا نفقة لها ولا سكنى ، وهذا هو الحق ، وقد قررته في شرحي للمنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره . { وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيّقُواْ عَلَيْهِنَّ } نهى سبحانه عن مضارّتهنّ بالتضييق عليهنّ في المسكن والنفقة . وقال مجاهد : في المسكن . وقال مقاتل : في النفقة . وقال أبو الضحى : هو أن يطلقها ، فإذا بقي يومان من عدّتها راجعها ، ثم طلقها { وَإِن كُنَّ أولات حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } أي إلى غاية هي وضعهنّ للحمل . ولا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلقة ؛ فأما الحامل المتوفى عنها زوجها ، فقال عليّ وابن عمر وابن مسعود وشريح والنخعي والشعبي وحماد وابن أبي ليلى وسفيان وأصحابه : ينفق عليها من جميع المال حتى تضع . وقال ابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه : لا ينفق عليها إلاّ من نصيبها ، وهذا هو الحق للأدلة الواردة في ذلك من السنة { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ } أولادكم بعد ذلك { فآتوهن أجورهنّ } أي أجور إرضاعهنّ والمعنى : أن المطلقات إذا أرضعن أولاد الأزواج المطلقين لهنّ منهنّ ، فلهنّ أجورهنّ على ذلك { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ } هو خطاب للأزواج والزوجات : أي تشاورا بينكم بما هو معروف غير منكر ، وليقبل بعضكم من بعض من المعروف والجميل ، وأصل معناه ليأمر بعضكم بعضاً بما هو متعارف بين الناس غير منكر عندهم . قال مقاتل : المعنى : ليتراض الأب والأم على أجر مسمى ، قيل : والمعروف الجميل من الزوج أن يوفر لها الأجر ، والمعروف الجميل منها أن لا تطلب ما يتعاسره الزوج من الأجر { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ } أي في أجر الرضاع ، فأبى الزوج أن يعطي الأمّ الأجر وأبت الأمّ أن ترضعه إلاّ بما تريد من الأجر { فَسَتُرْضِعُ لَهُ أخرى } أي يستأجر مرضعة أخرى ترضع ولده ، ولا يجب عليه أن يسلم ما تطلبه الزوجة ، ولا يجوز له أن يكرهها على الإرضاع بما يريد من الأجر . قال الضحاك : إن أبت الأمّ أن ترضع استأجر لولده أخرى ، فإن لم تقبل أجبرت أمه على الرضاع بالأجر .

/خ7