فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ عَلَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (167)

قوله : { وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } معطوف على ما قبله ، أي واسألهم وقت تأذن ربك ، وتأذن تفعل من الإيذان ، وهو الإعلام . قال أبو علي الفارسي : آذن بالمد أعلم ، وأذّن بالتشديد نادى . وقال قوم : كلاهما بمعنى أعلم ، كما يقال : أيقن وتيقن ، والمعنى في الآية : واسألهم وقت أن وقع الإعلام لهم من ربك { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } قيل : وفي هذا الفعل معنى القسم كعلم الله ، وشهد الله ، ولذلك أجيب بما يجاب به القسم ، حيث قال : { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } أي : ليرسلنّ عليهم ويسلّطن ، كقوله : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } { إلى يَوْمِ القيامة } غاية لسومهم سوء العذاب ممن يبعثه الله عليهم ، وقد كانوا أقماهم الله هكذا أذلاء مستضعفين معذبين بأيدي أهل الملل ، وهكذا هم في هذه الملة الإسلامية ، في كل قطر من أقطار الأرض ، في الذلة المضروبة عليهم والعذاب والصغار ، يسلمون الجزية بحقن دمائهم ، ويمتهنهم المسلمون فيما فيه ذلة من الأعمال التي يتنزه عنها غيرهم من طوائف الكفار . ومعنى { يَسُومُهُمْ } يذيقهم . وقد تقدّم بيان أصل معناه ، ثم علل ذلك بقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب } يعاجل به في الدنيا كما وقع لهؤلاء { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : كثير الغفران والرحمة .

/خ170