فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (67)

هذا حكم آخر من أحكام الجهاد . ومعنى { مَا كَانَ لِنَبِيٍ } ما صح له وما استقام ، وقرأ أبو عمرو ، وسهيل ويعقوب ، ويزيد ، والمفضل ، { أن تكون } بالفوقية ، وقرأ الباقون بالتحتية ، وقرأ أيضاً يزيد والمفضل «أسارى » وقرأ الباقون { أسرى } والأسرى جمع أسير ، مثل قتلى وقتيل ، وجرحى وجريح ، ويقال في جمع أسير أيضاً أسارى بضم الهمزة وبفتحها ، وهو مأخوذ من الأسر ، وهو القد ، لأنهم كانوا يشدّون به الأسير ، فسمي كل أخيذ وإن لم يشدّ بالقدّ أسيراً ، قال الأعشى :

وقيدني الشعر في بيته *** كما قيدت الأسرات الحمارا

وقال أبو عمرو بن العلاء : الأسرى هم غير الموثقين عندما يؤخذون ، والأسارى هم الموثقون ربطاً . والإثخان : كثرة القتل والمبالغة فيه ؛ تقول العرب : أثخن فلان في هذا الأمر ، أي بالغ فيه . فالمعنى : ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يبالغ في قتل الكافرين ويستكثر من ذلك . وقيل معنى الإثخان : التمكن ، وقيل : هو القوّة . أخبر الله سبحانه أن قتل المشركين يوم بدر كان أولى من أسرهم ، وفدائهم ؛ ثم لما كثر المسلمون رخص الله في ذلك فقال : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } كما يأتي في سورة القتال إن شاء الله . قوله : { تُرِيدُونَ عَرَضَ } الحياة { الدنيا } أي : نفعها ومتاعها بما قبضتم من الفداء ، وسمي عرضاً لأنه سريع الزوال كما تزول الأعراض التي هي مقابل الجواهر { والله يُرِيدُ الآخرة } أي : يريد لكم الدار الآخرة بما يحصل لكم من الثواب في الإثخان بالقتل . وقرئ «يريد الآخرة » بالجر على تقدير مضاف وهو المذكور قبله ، أي والله يريد عرض الآخرة { والله عَزِيزٌ } لا يغالب { حَكِيمٌ } في كل أفعاله .

/خ69