تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلصَّـٰٓفَّـٰتِ صَفّٗا} (1)

مقدمة السورة:

أهداف سورة الصافات

سورة الصافات مكية ، وآياتها ( 182 ) آية ، نزلت بعد سورة الأنعام في الفترة الأخيرة من حياة المسلمين بمكة ، فقد نزلت بعد الإسراء وقبيل الهجرة إلى المدينة .

وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم لابتدائها بالقسم بالصافات ، والمراد بها : الملائكة التي تقف صفوفا للعبادة ، أو تصف أجنحتها في الهواء امتثالا للطاعة ، وانتظارا لوصول أمر الله إليها .

مقصود السورة

قال الفيروزبادى :

معظم مقصود السورة هو : الإخبار عن صف الملائكة والمصلين للعبادة ، ودلائل الوحدانية ، ورجم الشياطين ، وذل الظالمين ، وعز المطيعين في الجنان ، وقهر المجرمين في النيران ، ومعجزة نوح ، وحديث إبراهيم ، وفداء إسماعيل في جزاء الانقياد ، وبشارة إبراهيم بإسحاق ، والمنة على موسى وهارون بإيتاء الكتاب ، وحكاية الناس في حال الدعوة ، وهلاك قوم لوط ، وحبس يونس في بطن الحوت ، وبيان فساد عقيدة المشركين في إثبات النسبة{[1]} ودرجات الملائكة في مقام العبادة ، وما منح الله الأنبياء من النصر والتأييد ، وتنزيه حضرة الجلال عن الأنداد والأضداد في قوله سبحانه : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } . [ الصافات : 180 ] .

سياق السورة

تميزت سورة الصافات بقصر الآيات ، وسرعة الإيقاع ، وكثرة المشاهد والمواقف ، وتنوع الصور والمؤثرات .

وهي تستهدف – كسائر السور المكية – بناء العقيدة في النفوس ، وتخليصها من شوائب الشرك في كل صوره وأشكاله ، ولكنها بصفة خاصة تعالج صورة معينة من صور الشرك ، التي كانت سائدة في البيئة العربية الأولى ، وتقف أمام هذه الصورة طويلا ، وتكشف عن زيفها وبطلانها بوسائل شتى . تلك هي الصورة التي كانت جاهلية العرب تستسيغها ، وهي تزعم أن هناك قرابة بين الله سبحانه وبين الجن ، وتستطرد في تلك الأسطورة فتزعم أنه من التزاوج بين الله – سبحانه- والجنة ولدت الملائكة ، ثم تزعم أن الملائكة إناث وأنهن بنات الله !

هذه الأسطورة تتعرض لحملة قوية في هذه السورة ، تكشف عن تفاهتها وسخفها ، ونظرا لأنها هي الموضوع البارز الذي تعالجه السورة ، فإنها تبدأ بالإشارة إلى طوائف من الملائكة : { والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا } .

ويتلوها حديث عن الشياطين المردة ، وتعرضهم للرجم بالشهب الثاقبة ، كيلا يقربوا من الملأ الأعلى ، ولا يتسمعوا لما يدور فيه ، ولو كانوا حيث تزعم لهم أساطير الجاهلية ما طوردوا هذه المطاردة .

وبمناسبة ضلال الكافرين وتكذيبهم ، تعرض السورة سلسلة من قصص الرسل : نوح ، وإبراهيم وابنه ، وموسى وهارون ، وإلياس ، ولوط ، ويونس ، تتكشف فيها رحمة الله ونصره لرسله ، وأخذه للمكذبين بالعذاب والتنكيل ، ويمكننا أن نقسم سورة الصافات إلى ثلاثة موضوعات رئيسية :

1- وصف الملائكة ومشاهد الآخرة :

يستغرق الموضوع الأول من السورة الآيات من ( 1-70 ) ويتضمن افتتاح السورة بالقسم بتلك الطوائف من الملائكة : { والصافات صفا فالزاجرات زجرا* فالتاليات ذكرا } . على وحدانية الله رب المشارق ، مزين السماء بالكواكب ، ثم تجيء مسألة الشياطين ، وتسمعهم للملأ الأعلى ، ورجمهم بالشهب الثاقبة ، يتلوها سؤال لهم : { أهم أشد خلقا أم من خلقنا . . . } من الملائكة والكواكب والشياطين والشهب ، للتوصل من هذا إلى تسفيه ما كانوا يقولونه عن البعث ، وإثبات ما كانوا يستبعدونه ويستهزئون بوقوعه ، ومن ثم يعرض ذلك المشهد المطول للبعث والحساب والنعيم والعذاب ، وهو مشهد فريد ، حافل بالصورة والحركة ، والمقابلة بينه وبين منازل الأبرار وآلام الفجار .

2- قصص الأنبياء :

تتعرض الآيات من ( 71-148 ) لبيان أن هؤلاء الضالين لهم نظائر في السابقين ، الذين جاءتهم النذر فكان أكثرهم من الضالين ، ويستطرد في قصص أولئك المنذرين ، من قوم نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس ولوط ويونس ، وكيف كانت عاقبة المكذبين وعاقبة المؤمنين .

ومن الظواهر المؤثرة في هذا القصص تجرد الأنبياء لربهم ، وإخلاصهم له ، فيونس يسبح بحمد ربه ويناجيه في بطن الحوت ، وإبراهيم يطيع الله ويستسلم لأمره في قصة الذبح والفداء ، ونشاهد من الذابح والذبيح التجرد والامتثال لأمر الله ، في أعمق صورة وأروعها وأرفعها .

وقد كانت الإشارة إلى قصص الأنبياء لمحات سريعة في آيات قصيرة ، تحتوي على عبرة القصة ، والتذكير بمضمونها .

3 – أسطورة تعقبها الحقيقة :

تناولت الآيات من ( 149-182 ) حيث آخر السورة ، الحديث عن الأسطورة الكاذبة ، أسطورة نسبة الجن والملائكة إلى الله ، ثم فندت هذه الأسطورة ، ونزهت الله عنها ، وبينت أن الملائكة خلف من خلق الله ملتزم بطاعته ، { وما منا إلا له ، مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون } . [ الصفات : 164-166 ] .

وقررت الآيات وعد الله لرسله بالظفر والغلبة ، { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون* وإن جندنا لهم الغالبون } . [ الصافات : 171-173 ] .

وانتهت السورة بتنزيه الله سبحانه ، والتسليم على رسله ، والاعتراف بربوبيته ، وهي القضايا التي تناولتها الصورة في الصميم .

{ سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين* والحمد لله رب العالمين } . [ الصافات : 180-182 ] .

إعلان وحدانية الله

بسم الله الرحمن الرحيم

{ والصافات صفا ( 1 ) فالزاجرات زجرا ( 2 ) فالتاليات ذكرا ( 3 ) إن إلهكم لواحد ( 4 ) رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ( 5 ) }

المفردات :

الصافات : جماعة من الملائكة يقفون صفوفا ، لكل واحد منهم مرتبة معينة في الشرف والفضيلة .

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4 { والصافات صفا* فالزاجرات زجرا* فالتاليات ذكرا * إن إلهكم لواحد } .

أقسم الله تعالى ببعض خلقه تنبيها لأهميته ، ولفتا للأنظار إلى عظمة هذا المخلوق ، كما أقسم سبحانه ببعض مظاهر الكون ، مثل الضحى والرياح ، والشمس والقمر والشفق ، والليل والنهار ، وكلها تلفت أنظارنا إلى عظمة الخالق سبحانه ، وتعالى ، والقسم بالملائكة يلفت أنظارنا إلى هذا الخلق العظيم ، العابد الساجد المسبح المصطف للعبادة ، المكلف بإنزال الوحي من السماء ليتلوه البشر ، أو قيام الملائكة بتلاوة آيات الله وذكره وطاعته ، وقد أخبر القرآن أن الملائكة صفوف منتظمة ، وأنهم عابدون لله حق العبادة .

قال تعالى : { وجاء ربك والملك صفا صفا } . [ الفجر : 22 ] .

وقال سبحانه : { فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون } . [ فصلت : 38 ] .

وقد ذكر المفسرون عدة أراء في المراد بهذه الصفات ، فقيل : أقسم الله بنفوس العلماء المصطفين للعبادة ، الزاجرين الناس عن المعاصي ، التالين لكتاب الله وسنة نبيه ، ذكرا لله وعبادة له .

وقيل : أقسم الله بنفوس الغزاة الصافين في الجهاد ، الزاجرين للخيل أو العدوّ ، التالين لذكر الله لا يشغلهم العدوّ عنه .

والرأي الراجح عند المفسرين أن المراد بهذا القسم : طوائف الملائكة ، فهم يصفون أنفسهم في طاعة الله ، كما يصف المسلمون أنفسهم في الصلاة ، وفي السنّة الصحيحة أن الله ميز هذه الأمة وميّز رسولها ، بصف المسلمين أنفسهم في الصلاة كما تصف الملائكة ، والملائكة لها إلهام ومعونة للمؤمنين تزجرهم عن المعاصي ، وتحثهم على الطاعات ، والملائكة تبلغ وحي الله إلى الأرض ، وتذكر الله تعالى .

قال تعالى : { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير } . [ الحج : 75 ] .

وقال سبحانه : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم : [ الشورى : 51 ] .

وقد أرسل الله جبريل بوحي السماء ، وجعله أمينا عليه .

قال تعالى : { نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين } . [ الشعراء : 193 ، 194 ] .

وقال سبحانه : { والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى } . [ النجم : 1-7 ] .

أي أن الله تعالى أقسم بصنوف الملائكة على وحدانيته ، وأنه سبحانه وتعالى واحد أحد فرد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وجواب القسم هو :

{ إن إلهكم لواحد } .

أي : ليس صنما ولا وثنا ولا أي شيء من الآلهة المدَّعاة ، بل هو سبحانه إله واحد منزه عن الشريف والمثيل ، ليس له شريك ولا ندّ ولا نظير .

قال تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا . . . } [ الأنبياء : 22 ] . وهذه مقدمة جوابها : لكن السماء والأرض لم تفسدا والنتيجة : ليس في الكون آلهة إلا الله سبحانه وتعالى .


[1]:- حاشية الجمل 2/647 نقلا عن تفسير الخازن.
 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱلصَّـٰٓفَّـٰتِ صَفّٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصافات

مكية ولم يحكوا في ذلك خلافا وهي مائة واحدة وثمانون آية عند البصريين ومائة واثنتان وثمانون عند غيرهم وفيها تفصيل أحوال القرون المشار إلى إهلاكها في قوله تعالى في السورة المتقدمة { ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون إنهم إليهم لا يرجعون } وفيها من تفصيل أحوال المؤمنين وأحوال أعدائهم الكافرين يوم القيامة ما هو كالإيضاح لما في تلك السورة من ذلك وذكر فيها شيء مما يتعلق بالكواكب لم يذكر فيما تقدم ولمجموع ما ذكر ذكرت بعدها وفي البحر مناسبة أول هذه السورة لآخر سورة يس أنه تعالى لما ذكر المعاد وقدرته سبحانه على إحياء الموتى وأنه هو منشئهم وأنه إذا تعلقت إرادته بشيء كان ذكر عز وجل هنا وحدانيته سبحانه إذ لا يتم ما تعلقت به الإرادة إيجادا وإعداما إلا بكون المريد واحدا كما يشير إليه قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } .

بسْم الله الرحمن الرَّحيم { والصافات صَفَّا } اقسام من الله تعالى بالملائكمة عليهم السلام كما روى عن ابن عباس . وابن مسعود . ومسروق . ومجاهد . وعكرمة . وقتادة . والسدي ، وأبى أبو مسلم ذلك وقال : لا يجوز حمل هذه اللفظ وكذا ما بعد على الملائكة لأن اللفظ مشعر بالتأنيث والملائكة مبرؤن عن هذه الصفة ، وفيه أن هذا في معنى جمع الجمع فهو جمع صافة أي طائفة أو جماعة صافة ، ويجوز أن يكون تأنيث المفرد باعتبار أنه ذات ونفس والتأنيث المعنوي هو الذي لا يحسن أن يطلق عليهم وأما اللفظ فلا مانع منه كيف وهم المسمون بالملائكة ، والوصف المذكور منزل منزلة اللازم على أن المراد إيقاع نفس الفعل من غير قصد إلى المفعول أي الفاعلان للصفوف أو المفعول محذوف أي الصافات أنفسها أي الناظمات لها في سلك الصفوف بقيامها في مقاماتها المعلومة حسبما ينطق به قوله تعالى : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] وذلك باعتبار تقديم الرتبة والقرب من حظيرة القدس أو الصافات أنفسها القائمات صفوفاً للعبادة ، وقيل : الصافات أقدامها للصلاة ، وقيل : الصافات أجنحتها في الهواء منتظرات أمر الله تعالى ، وقيل : المراد بالصافات الطير من قوله تعالى : { والطير صافات } [ النور : 41 ] ولا يعول على ذلك ، و { صَفَّا } مصدر مؤكد وكذا { زَجْراً } في قوله تعالى :

ومن باب الإشارة : في الآيات ما قالوا : { والصافات صَفَّا } [ الصافات : 1 ] هي الأرواح الكاملة المكملة من الصف الأول وهو صف الأنبياء عليهم السلام والصف الثاني وهو صف الأصفياء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلصَّـٰٓفَّـٰتِ صَفّٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الصافات ، وهي مكية

{ 1 - 11 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ * إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ }

هذا قسم منه تعالى بالملائكة الكرام ، في حال عبادتها وتدبيرها ما تدبره بإذن ربها ، على ألوهيته تعالى وربوبيته ، فقال : { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا } أي : صفوفا في خدمة ربهم ، وهم الملائكة .