تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَـٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (102)

95

المفردات :

فلما بلغ معه السعي : فلما بلغ السن التي تساعده على أن يسعى مع والده في أعماله ، وحاجات المعيشة .

ترى : تشير وتفكر ، مأخوذ من الرأي .

التفسير :

102- { فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } .

تبدأ قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام ، وقد بشر الله الخليل بإسماعيل ، ويفهم من السياق أن إسماعيل قد شبّ عن الطوق ، وبلغ مبلغ القدرة على السعي ، ومساعدة والده في العمل ، وقيل كان عمره ثلاثة عشر عاما .

ورأى إبراهيم في المنام أن الله يأمره بذبح إسماعيل ، وكان ذلك ليلة الثمن من ذي الحجة ، فتروى إبراهيم في الأمر ، وقال : هل هذه الرؤيا من الله أم أضغاث أحلام ؟ فسُمّي يوم الثامن من ذي الحجة بيوم التروية ، وفي الليلة التالية تأكد الأمر بذبح إسماعيل ، وفي الصباح عرف أنه أمر من الله ، فسُمِّي عرفات .

وفي ليلة العيد تأكّد الأمر فعزم على التنفيذ في الصباح ، فسُمي يوم الأضحى ، أي : يوم الذبح والتضحية ، وقد شاور إبراهيم ولده ليعدّ نفسه للأمر وليثبّته ويصبّره إن احتاج إلى ذلك .

فالأمر كان خطبا كبيرا : الخليل يسلم أمره لله ، ويتكلم في هدوء ورزانة ، فيقول : { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى . . . }أي : فلما رزق الخليل بإسماعيل ، وكبر إسماعيل ، وأصبح قادرا على مساعدة والده ، ومعاونته في العمل ، أجلس الخليل ولده إسماعيل بجواره ، وقال يا بني ، إني رأيت رؤيا من الله تعالى ، يكلّفني بذبحك تقربا إليه ، لكن إسماعيل كان هادئا رزينا ، ثابتا موفقا حين قال : { يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } .

{ يا أبت } في هدوء وثبات ، { افعل ما تؤمر } ، نفذ ما أمرك الله به من ذبحي ، ستجدني بمشيئة الله وتوفيقه ومعونته من الصابرين الثابتين الملتزمين .

ونلحظ هنا أنه قدّم المشيئة : لأنه لا حول له ولا قوّة في هذا الأمر الجلل إلا بمشيئة الله وتوفيقه .

قال العلماء :

علَّق صبره على مشيئة الله في قوله : { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } . فلما استثنى وفقه الله للصبر ، وإنه لموقف مؤثر في تاريخ الإسلام ، بل في تاريخ البشرية : أب يضحي في هدوء وامتثال ، وغلام في ميعة الصبا – ثلاثة عشر عاما - يمتثل هادئا مستعينا بالله ، صابرا راضيا مستجيبا ، صادقا في وعده ، حليما مطيعا لربه ولوالده ، لقد كان بلاء أيّ بلاء ، وقد استجابا لأمر الله ربّ العالمين ، وهكذا الأنبياء عليهم السلام ، يلهمهم الله تعالى في جميع مراحل حياتهم ما يجعلهم في أعلى درجات السمو النفسي ، واليقين القلبي ، والكمال الخلقي .

كمْ تحمّل نوح الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، كم تحمل أيوب الذي مرض مرضا شديدا ، وانهدم منزل على أولاده ، فصبر أيوب ، ودعا الله في تضرع وإخلاص ، فاستجاب الله دعاءه ، ويسر له الشفاء ، ورزقه ذرية صالحة ، ضعف أولاده السابقين . ويونس حين تضرع إلى الله وهو في جوف الحوت ، فاستجاب الله له ، وأمر الحوت أن يلفظه على الشاطئ ، ثم أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون ؛ فآمنوا فأكرمهم الله في الدنيا والآخرة ، وموسى الذي قارع جبروت فرعون ، وصاول السحرة ، واستعد للهجرة ، وفلق الله له البحر ؛ فسار فيه هادئا فوق طريق يابس ، ثم أغرق فرعون وقومه ، ونجّى موسى ومن معه من المؤمنين . وعيسى وقد حاول الأعداء قتله وصلبه فرفعه الله إليه ، محمد صلى الله عليه وسلم وقد مكث في مكة يدعو قومه ثلاثة عشر عاما ، ثم هاجر إلى المدينة ، وحارب في غزوات متعددة ، مثل : بدر ، وأحد ، والخندق ، والحديبية ، وفتح مكة ، وتبوك ، وحنين ، والطائف ؛ ثم نصره الله نصرا مبينا .

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أشدكم بلاء الأنبياء ، ثم الأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، وما يزال البلاء يصيب المؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة . " {[550]}


[550]:أشد الناس بلاء الأنبياء: بوّب به البخاري في كتاب المرضى، ورواه الترمذي في الزهد (2398)، وابن ماجة في الفتن (4.23) وأحمد. (1484، 1497، 1558، 1610)، والدارمي في الرقاق (2783)، من حديث سعد بن أبي وقاص، وقال الترمذي: حسن صحيح.
 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَـٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (102)

{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى } فصيحة تعرب عن مقدر قد حذف تعويلاً على شهادة الحال وإيذاناً بعدم الحاجة إلى التصريح به لاستحالة التخلف أي فوهبناه له ونشأ فلما بلغ رتبة أن يسعى معه في أشغاله وحوائجه ، و { مَّعَ } ظرف للسعي وهي تدل على معنى الصحبة واستحداثها ، وتعلقها بمحذوف دل عليه المذكور لأن صلة المصدر لا تتقدمه لأنه عند العمل مؤول بأن المصدرية والفعل ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول لأنه كتقدم جزء الشيء المرتب الأجزاء عليه أو لضعفه عن العمل فيه بحث ، أما أولاً : فلأن التأويل المذكور على المشهور في المصدر المنكر دون المعرف ، وأما ثانياً : فلأنه إذا سلم العموم فليس كل ما أول بشيء حكمه حكم ما أول به ، وأما ثالثاً : فلأن المقدم هنا ظرف وقد اشتهر أنه يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره .

وصرحوا بأنه يكفيه رائحة الفعل وبهذا يضعف حديث المنع لضعف العامل عن العمل فالحق أنه لا حاجة في مثل ذلك إلى التقدير معرفاً كان المصدر أو منكراً كقوله تعالى : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } [ النور : 2 ] وهو الذي ارتضاه الرضى وقال به العلامة الثاني ، واختار «صاحب الفرائد » كونها متعلقة بمحذوف وقع حالاً من { السعى } أي فلما بلغ السعي حال كون ذلك السعي كائناً معه ، وفيه أن السعي معه معناه اتفاقهما فيه فالصحبة بين الشخصين فيه ، وما قدره يقتضي الصحبة بين السعي وإبراهيم عليه السلام ولا يطابق المقام ، وجوز تعلقه ببلغ ، ورد بأنه يقتضي بلوغهما معاً حد السعي لما سمعت من معنى مع وهو غير صحيح ، وأجيب بأن مع على ذلك لمجرد الصحبة على أن تكون مرادفة عند نحو فلان يتغنى مع السلطان أي عنده ويكون حاصل المعنى بلغ عند أبيه وفي صحبته متخلقاً بأخلاقه متطبعاً بطباعه ويستدعي ذلك كمال محبة الأب إياه ، ويجوز على هذا أن تتعلق بمحذوف وقع حالاً من فاعل { بَلَغَ } ومن مجيء مع لمجرد الصحبة قوله تعالى حكاية عن بلقيس : { أَسْلَمْتُ * مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبّ العالمين } [ النمل : 44 ] فلتكن فيما نحن فيه مثلها في تلك الآية . وتعقب بأن ذاك معنى مجازي والحمل على المجاز هنالك للصارف ولا صارف فيما نحن فيه فليحمل على الحقيقة على أنه لا يتعين هنالك أن تكون لمعية الفاعل لجواز أن يراد أسلمت لله ولرسوله مثلاً ، وتقديم { مَّعَ } إشعاراً منها بأنها كانت تظن أنها على دين قبل وأنها مسلمة لله تعالى فيما كانت تعبد من الشمس فدل على أنه إسلام يعتد به من أثر متابعة نبيه لا إسلام كالأول فاسد ، قال «صاحب الكشف » : وهذا معنى صحيح حمل الآية عليه أولى وإن حمل على معية الفاعل لم يكن بد من محذوف نحو مع بلوغ دوعته وإظهار معجزته لأن فرق ما بين المقيد ومطلق الجمع معلوم بالضرورة ، وزعم بعض أنه لا مانع من إرادة الحقيقة واستحداث إسلامهما معاً على معنى أنه عليه السلام وافقها أو لقنها وليس بشيء كما لا يخفى .

وقيل يراد بالسعي على تقدير تعلق مع ببلغ المسعى وهو الجبل المقصود إليه بالمشي وهو تكلف لا يصار إليه .

وبالجملة الأولى تعلقها بالسعي ، والتخصيص لأن الأب أكمل في الرفق وبالاستصلاح له فلا يستسعيه قبل أو أنه أو لأنه عليه السلام استوهبه لذلك ، وفيه على الأول بيان أوانه وأنه في غضاضة عوده كان فيه ما فيه من رصانة العقل ورزانة الحلم حتى أجاب بما أجاب ، وعلى الثاني بيان استجابة دعائه عليه السلام وكان للغلام يومئذ ثلاث عشرة سنة والولد أحب ما يكون عند أبيه في سن يقدر فيه على إعانة الأب وقضاء حاجة ولا يقدر فيه على العصيان { قَالَ يَاءادَمُ * بَنِى * إِنّى أرى فِى المنام أَنّى أَذْبَحُكَ } يحتمل أنه عليه السلام رأى في منامه أنه فعل ذبحه فحمله على ما هو الأغلب في رؤيا الأنبياء عليهم السلام من وقوعها بعينها ، ويحتمل أنه رأى ما تأويل ذلك لكن لم يذكره وذكر التأويل كما يقول الممتحن وقد رأى أنه راكب في سفينة رأيت في المنام أني ناج من هذه المحنة ، وقيل إنه رأى معالجة الذبح ولم ير إنهار الدم فأني أذبحك إني أعالج ذبحك ، ويشعر صنيع بعضهم اختيار أنه عليه السلام أتى في المنام فقيل له اذبح ابنك ورؤيا الأنبياء وحي كالوحي في اليقظة ، وفي رواية أنه رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك فلما أصبح روأ في ذلك وفكر من الصباح إلى الرواح أمن الله تعالى هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثم سمي يوم التروية فلما أمسى رأي مثل ذلك فعرف أنه من الله تعالى فمن ثم سمي يوم عرفة ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي يوم النحر ، وقيل إن الملائكة حين بشرته بغلام حليم قال هو إذن ذبيح الله فلما ولد وبلغ حد السعي معه قيل له أوف بنذرك ، ولعل هذا القول كان في المنام وإلا فما يصنع بقوله : { إِنّى أرى فِى المنام أَنّى أَذْبَحُكَ } وفي كلام التوراة التي بأيدي اليهود اليوم ما يرمز إلى أن الأمر بالذبح كان ليلاً فإنه بعد أن ذكر قول الله تعالى له عليه السلام خذ ابنك وامض إلى بلد العبادة وأصعده ثم قرباناً على أحد الجبال الذي أعرفك به قيل فأدلج إبراهيم بالغداة الخ فالأمر إما مناماً وإما يقطة لكن وقع تأكيداً لما في المنام إذ لا محيص عن الايمان بما قصه الله تعالى علينا فيما أعجز به الثقلين من القرآن والحزم الجزم بكونه في المنام لا غير إذ لا يعول على ما في أيدي اليهود وليس في الأخبار الصحيحة ما يدل على وقوعه يقطة أيضاً .

/ ولعل السر في كونه مناماً لا يقظة أن تكون المبادرة إلى الامتثال أدل على كمال الانقياد والإخلاص .

وقيل : كان ذلك في المنام دون اليقظة ليدل على أن حالتي الأنبياء يقظة ومناماً سواء في الصدق ، والأول أولى ، والتأكيد لما في تحقق المخبر به من الاستبعاد ، وصيغة المضارع في الموضعين قيل لاستحضار الصورة الماضية لنوع غرابة ، وقيل : في الأول لتكرر الرؤية وفي الثاني للاستحضار المذكور أو لتكرر الذبح حسب تكرر الرؤيا أو للمشاكلة ؛ ومن نظر بعد ظهر له غير ذلك .

{ فانظر مَاذَا ترى } من الرأي ؛ وإنما شاوره في ذلك وهو حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله عز وجل فيثبت قدمه إن جزع ويأمن عليه إن سلم وليوطن نفسه عليه فيهون عليه ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله تعالى قبل نزوله وليكون سنة في المشاورة ، فقد قيل : لو شاور آدم الملائكة في أكله من الشجرة لما فرط منه ذلك ، وقرأ حمزة . والكسائي { مَاذَا ترى } بضم التاء وكسر الراء خالصة أي ما الذي تريني إياه من الصبر وغيره أو أي شيء تريني على أن ما مبتدأ وذا موصول خبره ومفعولي ترى محذوفان أو ماذا كالشيء الواحد مفعول ثان لترى والمفعول الأول محذوف ، وقرئ { مَاذَا ترى } بضم التاء وفتح الراء على البناء للمفعول أي ماذا تريك نفسك من الرأي ، و { أَنظُرْ } في جميع القراءات معلقة عن العمل وفي { مَاذَا } الاحتمالان فلا تغفل .

{ قَالَ يَاءادَمُ * ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ } أي الذي تؤمر به فحذف الجار والمجرور دفعة أو حذف الجار أولاً فعدى الفعل بنفسه نحو أمرتك الخير ثم حذف المجرور بعد أن صار منصوباً ثانياً ، والحذف الأول شائع مع الأمر حتى كاد يعد متعدياً بنفسه فكأنه لم يجتمع حذفان أو افعل أمرك على أن ما مصدرية والمرادب المصدر الحاصل بالمصدر أي المأمور به ، ولا فرق في جواز إرادة ذلك من المصدر بين أن يكون صريحاً وأن يكون مسبوكاً .

وإضافته إلى ضمير إبراهيم إضافة إلى المفعول ولا يخفى بعد هذا الوجه ، وهذا الكلام يقتضي تقدم الأمر وهو غير مذكور فإما أن يكون فهم من كلامه عليه السلام أنه رأى أنه يذبحه مأموراً أو علم أن رؤيا الأنبياء حق وأن مثل ذلك لا يقدمون عليه إلا بأمر ، وصيغة المضارع للإيذان بغرابة ذلك مثلها في كلام إبراهيم على وجه وفيه إشارة إلى أن ما قاله لم يكن إلا عن حلم غير مشوب بجهل بحال المأمور به ، وقيل : للدلالة على أن الأمر متعلق به متوجه إليه مستمر إلى حين الامتثال به ، وقيل : لتكرر الرؤيا ، وقيل : جىء بها لأنه لم يكن بعد أمر وإنما كانت رؤيا الذبح فأخبره بها فعلم لعلمه بمقام أبيه وأنه ممن لا يجد الشيطان سبيلاً بإلقاء الخيالات الباطلة إليه في المنام أنه سيكون ذلك ولا يكون إلا بأمر إلهي فقال له افعل ما تؤمر بعد من الذبح الذي رأيته في منامك ، ولما كان خطاب الأب { أَوْ بَنِى } على سبيل الترجم قال هو { *يا أبت } على سبيل التوقير والتعظيم ومع ذلك أتى بجواب حكيم لأنه فوض الأمر حيث استشاره فأجاب بأنه ليس مجازها وإنما الواجب إمضاء الأمر .

{ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ * الصابرين } على قضاء الله تعالى ذبحاً كان أو غيره ، وقيل : على الذبح والأول أولى للعموم ويدخل الذبح دخولاً أولياً ، وفي قوله : { مّنَ الصابرين } دون صابراً وإن كانت رؤوس الآي تقتضي ذلك من التواضع ما فيه ، قيل ولعله وفق للصبر ببركته مع بركة الاستثناء وموسى عليه السلام لما لم يسلك هذا المسلك من التواضع في قوله : { سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله صَابِرًا } [ الكهف : 69 ] حيث لم ينظم نفسه الكريمة في سلك الصابرين بل أخرج الكلام على وجه لا يشعر بوجود صابر سواه لم يتيسر له الصبر مع أنه لم يهمل أمر الاستثناء . وفيه أيضاً إغراء لأبيه عليه السلام على الصبر لما يعلم من شفقته عليه مع عظم البلاء حيث أشار إلى أن لله تعالى عباداً صابرين وهي زهرة ربيع لا تتحمل الفرك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَـٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (102)

{ فَلَمَّا بَلَغَ } الغلام { مَعَهُ السَّعْيَ } أي : أدرك أن يسعى معه ، وبلغ سنا يكون في الغالب ، أحب ما يكون لوالديه ، قد ذهبت مشقته ، وأقبلت منفعته ، فقال له إبراهيم عليه السلام : { إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } أي : قد رأيت في النوم والرؤيا ، أن اللّه يأمرني بذبحك ، ورؤيا{[766]}  الأنبياء وحي { فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى } فإن أمر اللّه تعالى ، لا بد من تنفيذه ، { قَالَ } إسماعيل صابرا محتسبا ، مرضيا لربه ، وبارا بوالده : { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ } أي : [ امض ] لما أمرك اللّه { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } أخبر أباه أنه موطن نفسه على الصبر ، وقرن ذلك بمشيئة اللّه تعالى ، لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة اللّه تعالى .


[766]:- كذا في ب، وفي أ: ورأي.