تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ} (17)

16

المفردات :

المتلقيان : هما ملكان جعلهما الله لكل إنسان ، ليكتبا أعماله من خير وشر ، عن اليمين وعن الشمال .

قعيد : بمعنى مقاعد ، كالجليس بمعنى المجالس .

التفسير :

17- { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد } .

اذكر حين يتلقى الملكان الحفيظان ما يفعله الإنسان فيسجلان عليه أفعاله .

وقد ورد في تفاسير الزمخشري ، والقرطبي ، والبيضاوي ، وروى ابن أبي حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كاتب الحسنات على يمين الرجل ، وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات ، فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات ، لعله يسبح أو يستغفر ) .

{ عن اليمين وعن الشمال قعيد } .

والقعيد من يقعد معك ، فملك الحسنات قعيد على اليمين ، وملك السيئات قعيد على الشمال ، والأصل أن يقال : عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد ، فحذفت من الأولى لدلالة الثانية عليها ، فالملائكة تسجل على الإنسان الحسنات والسيئات ، والله تعالى قد أحاط بكل شيء علما ، لكنه سبحانه أراد أن يعلم الإنسان ، أن كل شيء مسجل ومكتوب ، وفي إحصاء دقيق لا ينسى .

كما قال سبحانه : { أحصاه الله ونسوه . . . } ( المجادلة : 6 ) .

وقال عز شأنه : { ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما علموا حاضرا ولا يظلم ربكم أحدا } . ( الكهف : 49 ) .

يقول أحد الصالحين :

لم لا أنوح وأندب *** وجميع جسمي مذنب

نفسي لقبح فعالها *** بين الورى تتأدب

ملك اليمين أرحته *** لم يلق شيئا يكتب

ملك الشمال بعكسه *** ليلا نهارا يتعب

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ} (17)

{ إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان } هما الملكان الموكلان بكل إنسان يكتبان أعماله ؛ والتلقى التلقن بالحفظ والكتبة ، و { إِذْ } قيل : ظرف لأقرب وأفعل التفضيل يعمل في الظروف لأنه يكفيها رائحة الفعل وإن لم يكن عاملاً في غيرها فاعلاً أو مفعولاً به أي هو سبحانه أعلم بحال الإنسان من كل قريب حين يتلقى المتلقيان الحفيظان ما يتلفظ به ، وفيه إيذان بأنه عز وجل غني عن استحفاظ الملكين فإنه تعالى شأنه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما لكن الحكمة اقتضته ، وهو ما في كتبة الملكين وحفظهما وعرض صحائفهما يوم يقوم الاشهاد ، وعلم العبد بذلك مع عرمه بإحاطة الله تعالى بعمله من زيادة لطف في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات ، وجوز أن تكون { إِذْ } لتعليل القرب ، وفيه أن تعليل قربه عز وجل العلمي بإطلاع الحفظة الكتبة بعيد ، واختار بعضهم كونها مفعولاً به لا ذكر مقدراً لبقاء الأقربية على إطلاقها ولأن أفعل التفضيل ضعيف في العمل وإن كان لا مانع من عمله في الظرف ؛ والكلام مسوق لتقرير قدرته عز وجل وإحاطة علمه سبحانه وتعالى فتأمل { عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ } أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، ومنه قوله :

رماني بأمر كنت منه ووالدي *** بريئاً ومن أجل الطوى رماني

وقال المبرد : إن التقدير عن اليمين قعيد وعن الشمال فأخر قعيد عن موضعه ، والقعيد عليهما فعيل بمعنى مفاعل كجليس بمعنى مجالس ونديم بمعنى منادم ، وذهب الفراء إلى أن قعيداً يدل على الإثنين والجمع ، وقد أريد منه هنا الإثنان فلا حذف ولا تقديم ولا تأخير . واعترض بأن فعيلاً يستوي فيه ذلك إذا كان بمعنى مفعول وهذا بمعنى فاعل ولا يصح فيه ذلك إلا بطريق الحمل على فعيل بمعنى مفعول ، واختلف في تعيين محل قعودهما فقيل : هما على الناجذين ، فقد أخرج أبو نعيم والديلمي عن معاذ بن جبل مرفوعاً «إن الله لطف بالملكين الحافظين حتى أجلسهما على الناجذين وجعل لسانه قلمهما وريقه مدادهما » ، وقيل : على العاتقين ، وقيل : على طرفي الجنك عند العنفقة وفي البحر أنهم اختلفوا في ذلك ولا يصح فيه شيء ، وأنا أقول أيضاً : لم يصح عندي أكثر مما أخبر الله تعالى به من أنهما عن اليمين وعن الشمال قعيدان ، وكذا لم يصح خبر قلمهما ومدادهما وأقول كما قال اللقاني بعد أن استظهر أن الكتب حقيقي : علم ذلك مفوض إلى الله عز وجل ، وأقول الظاهر أنهما في سائر أحوال الإنسان عن يمينه وعن شماله .

وأخرج ابن المنذر . وغيره عن ابن عباس أنه قال : إن قعد فأحدهما عن يمينه والآخر عن يساره وإن مشى فأحدهما إمامه والآخر خلفه وإن رقد فأحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه .