فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ} (17)

ثم ذكر الله سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يكتبان ويحفظان عليه عمله إلزاما للحجة فقال :

{ إذ } أي أذكر إذ { يتلقى المتلقيان } ويجوز أن يكون الظرف منتصبا بما في أقرب من معنى الفعل ، والمعنى أنه أقرب إليه من حبل وريده ، حين يتلقى المتلقيان ، وهما الملكان الموكلان به ، وبما يلفظ به ، وما يعمل به ، أي يأخذان ذلك ويثبتانه والتلقي الأخذ ، وقيل : التلقي التلقن بالحفظ والكتابة ، والمعنى نحن أعلم بأحواله غير محتاجين إلى الحفظة الموكلين به . وإنما جعلنا ذلك إلزاما للحجة وتوكيدا للأمر .

{ عن اليمين وعن الشمال قعيد } قال الحسن وقتادة : المتلقيان ملكان يتلقيان عملك ، أحدهما عن يمينك ويكتب حسناتك ، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك . وقال مجاهد أيضا : وكل الله بالإنسان ملكين بالليل ، وملكين بالنهار يحفظان عمله ، ويكتبان أثره ، روي أنهما قاعدان على ثنيتيه ، لسانه قلمهما وريقة مدادهما ذكره أبو السعود وإنما قال قعيد ولم يقل قعيدان وهما اثنان ؛ لأن المراد عن اليمين قعيد . وعن الشمال قعيد . فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ؛ كذا قال سيبويه . وقال الأخفش والفراء : إن لفظ قعيد يصلح للواحد والإثنين والجمع . ولا يحتاج إلى تقدير في الأول ، قال الجوهري وغيره من أئمة اللغة والنحو : فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والإثنان والجمع ، والقعيد المقاعد ، كالجليس بمعنى المجالس لفظا ومعنى .