الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ} (17)

{ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ } أي يتلقّى ، ويأخذ الملكان الموكلان عليك ، وكَّل الله سبحانه بالإنسان مع علمه بأحواله ، ملكين بالليل ، وملكين بالنهار يحفظان عمله ، ويكتبان أثره ، إلزاماً للحجّة ، أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات ، والآخر عن شماله يكتب السيّئات ، فذلك قوله سبحانه : { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ } ولم يقل : قعيدان . قال أهل البصرة : لأنّه أراد عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد ، فاكتفى بأحدهما عن الآخر ، كقول الشاعر :

نحن بما عندنا وأنت بما عندك *** راض والرأي مختلف

وقول الفرزدق :

إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى *** وأبى فكان وكنت غير غدور

ولم يقل : غدورين ، والقعيد ، والقاعد كالسميع ، والعليم ، والقدير ، فقال أهل الكوفة : أراد قعوداً رده إلى الجنس ، فوضع الواحد موضع الجمع ، كالرسول في الاثنين يجعل للاثنين ، والجمع ، قال الله سبحانه في الاثنين :

{ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 16 ] وقال الشاعر :

ألكني إليها وخير الرسول *** أعلمهم بنواحي الخبر

أخبرنا الحسين ، قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن سالم الختلي . قال : حدّثنا أحمد بن أيّوب الرخاني . قال : حدّثنا جميل بن الحسن ، قال : حدّثنا أرطأة بن الأشعث العدوي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنّ مقعد ملكيك على ثنيتيك ، ولسانك قلمهما ، وريقك مدادهما ، وأنت تجري أظنّه قال : فيما لا يعنيك لا تستحي من الله ، ولا منهما " .

وأخبرنا الحسين بن محمد بن منجويه الدينوري ، قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : حدّثنا الفضل بن العبّاس بن مهران . قال : حدّثنا طالوت . قال : حدّثنا حمّاد بن سلمة . قال : أخبرنا جعفر بن الزبير ، عن القاسم بن محمد ، عن أبي أُمامة ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " كاتب الحسنات على يمين الرجل ، وكاتب السيّئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيّئات ، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً ، وإذا عمل سيئة ، قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعلّه يسبِّح أو يستغفر " .

قال الحسن : إنّ الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين : عند غائطه ، وعند جماعه ، وقال أبو الجوزاء ، ومجاهد : يكتبان عليه كلّ شيء حتّى أنينه في مرضه ، وقال عكرمة : لا يكتبان عليه إلاّ ما يؤجر عليه أو يؤزر فيه ، وقال الضحّاك : مجلسهما تحت الشعر على الحنك .

ومثله روى عوف عن الحسن ، قال : وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته .

وقال عطية ومجاهد : القعيد الرصيد .

أخبرنا أبو القاسم بن حبيب في سنة ست وثمانين وثلاثمائة ، قال : حدّثنا أبو محمد البلاذري . قال : حدّثنا محمد بن أيّوب الرازي . قال : حدّثنا أبو التقى هشام بن عبد الملك . قال : حدّثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي ، عن تمام بن نجيح ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، وأنس ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من حافظين يرفعان إلى الله سبحانه ما حفظا فيرى الله سبحانه في أوّل الصحيفة خيراً ، وفي آخرها خيراً ، إلاّ قال لملائكته : اشهدوا أنّي قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة " .

وأخبرنا أبو سهل بن حبيب بقراءتي عليه ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن موسى ، قال : حدّثنا زنجويه بن محمد . قال : حدّثنا إسماعيل بن قتيبة . قال : حدّثنا يحيى بن يحيى . قال : حدّثنا عثمان بن مطر الشيباني ، عن ثابت عن أنس . أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بأنّ الله سبحانه وكّل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله ، فإذا مات ، قال الملكان اللّذان وكّلا به يكتبان عمله : قد مات فلان ، فيأذن لنا ، فنصعد إلى السماء ، فيقول الله سبحانه : سمائي مملوءة من ملائكتي يسبِّحون ، فيقولان : نقيم في الأرض . فيقول الله سبحانه : أرضي مملوءة من خلقي يسبِّحون . فيقولان : فأين ؟ فيقول : قوما على قبر عبدي . فكبّراني ، وهللاني ، واكتبا ذلك لعبدي ليوم القيامة " .