فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ} (17)

ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يكتبان ويحفظان عليه عمله إلزاماً للحجة فقال : { إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان } الظرف منتصب بما في { أَقْرَبُ } من معنى الفعل ، ويجوز أن يكون منصوباً بمقدّر هو اذكر ، والمعنى : أنه أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى { المتلقيان } ، وهما الملكان الموكلان به ما يلفظ به ، وما يعمل به : أي يأخذان ذلك ويثبتانه ، والتلقي الأخذ : أي نحن أعلم بأحواله غير محتاجين إلى الحفظة الموكلين به . وإنما جعلنا ذلك إلزاماً للحجة وتوكيداً للأمر . قال الحسن وقتادة ومجاهد : المتلقيان ملكان يتلقيان عملك أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك ، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك . وقال مجاهد أيضاً : وكل الله بالإنسان ملكين بالليل ، وملكين بالنهار يحفظان عمله ، ويكتبان أثره { عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ } إنما قال { قعيد } ، ولم يقل قعيدان وهما اثنان ، لأن المراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ، فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه ، كذا قال سيبويه كقول الشاعر :

نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راض والرأي مختلف

وقال الفرزدق :

وأتى وكان وكنت غير عذور *** . . .

أي وكان غير عذور ، وكنت غير عذور ، وقال الأخفش والفراء : إن لفظ قعيد يصلح للواحد والاثنين والجمع ولا يحتاج إلى تقدير في الأوّل . قال الجوهري غيره من أئمة اللغة والنحو : فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع ، والقعيد المقاعد كالجليس بمعنى المجالس .