تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

12

المفردات :

انظرونا : انتظرونا أو أمهلونا .

نقتبس : أصل الاقتباس : طلب القبس ، أي : الجذوة من النار ، والمراد نستضيء ونهتدي بنوركم .

السور : الحاجز .

من قبله : من جهته .

التفسير :

13- { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } .

ما أشد هول هذا اليوم ، إنه يوم الجزاء ، فالدنيا عمل ولا حساب ، والآخرة حساب ولا عمل .

والمعنى :

انظر يا كل من يتأتى منه النظر ، الجزاء الحسن للمؤمنين ، نورهم يسعى أمامهم وعن يمينهم ، وتبشرهم الملائكة بالجنة ، ويُحبس المنافقون في ظلام دامس : { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } ( النور : 40 ) .

عندئذ يمر المؤمنون في موكب التكريم والتعظيم ، والنور المبين ، فيقول المنافقون للمؤمنين : انتظرونا حتى نستضيء بجزء من نوركم ، ونسير فيه إلى الجنة ، فيقول المؤمنون لهم : ارجعوا إلى الدنيا ، فاعملوا العمل الصالح الذي يكسبكم النور يوم القيامة ، وهو تهكم بهم لأنه لا رجعة إلى الدنيا أبدا بعد القيامة ، كما أن اللبن يعود إلى الضرع بعد أن يُحلب منه ، ولله در القائل :

صاح هل ريِْتَ أو سمعت براع *** ردّ في الضرع ما قرى في الحلاب

لقد كان المنافقون يستهزئون بالمؤمنين في الدنيا ، فرد الله لهم جزاء وفاقا ، وذلك ما عناه سبحانه بقوله : { الله يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون } . ( البقرة : 15 ) .

{ فضرب بينهم سور له باب . . . }

أي : ضُرب بين المؤمنين والمنافقين بحاجز له باب يحجز بين أهل الجنة وأهل النار .

{ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ . . . } .

يفصل الله تعالى بين أهل الجنة وأهل النار بهذا السور الذي يحجز بين الفريقين ، جانب السور الذي يلي المؤمنون فيه الجنة والرحمة والثواب والنعيم ، وظاهر هذه السور وجانبه الذي يلي المنافقين والكفار يكون من جهته العذاب الأليم .

قال ابن كثير : هو سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين ، فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه ، فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب ، وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب ، كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وشك وحيرة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

وتقول لهم الملائكة :{ بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا } قرأ الأعمش وحمزة : { أنظرونا } بفتح الهمزة وكسر الظاء يعني أمهلونا . وقيل : انظرونا . وقرأ الآخرون بحذف الألف في الوصل وضمها في الابتداء وضم الظاء ، تقول العرب : انظرني وأنظرني ، يعني انتظرني . { نقتبس من نوركم } نستضيء من نوركم ، وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نوراً على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضاً نوراً خديعةً لهم ، وهو قوله عز وجل : { وهو خادعهم }( النساء- 141 ) ، فبينا هم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحاً وظلمة فأطفأت نور المنافقين ، فذلك قوله : { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } ( التحريم- 8 ) ، مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين . وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ، ولا يعطون النور ، فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين : أنظرونا نقتبس من نوركم ، { قيل ارجعوا وراءكم } قال ابن عباس : يقول لهم المؤمنون ، وقال قتادة : تقول لهم الملائكة : ارجعوا وراءكم من حيث جئتم ، { فالتمسوا نورا } فاطلبوا هناك لأنفسكم نوراً فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا ، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين ، وهو قوله : { فضرب بينهم بسور } أي سور ، " والباء " صلة يعني بين المؤمنين والمنافقين ، وهو حائط بين الجنة والنار ، { له } ، أي لذلك السور ، { باب باطنه فيه الرحمة } أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة ، { وظاهره } أي خارج ذلك السور ، { من قبله } ، أي من قبل ذلك الظاهر ، { العذاب } وهو النار .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

قوله : { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم } وذلك مما يقع يوم القيامة من شديد الأهوال وفظيع المشاهد ، وحينئذ لا ينجو من البلاء والكرب إلا من كتب الله له نجاة . وقد قيل : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة لا يرون فيها شيئا فيعطي المؤمنون نورا يستضيئون به ، ويترك الكافرون والمنافقون من غير نور ، فيتيهون ويخبطون لا يرون شيئا فيلجّون حائرين مذعورين فيقولون للذين آمنوا : { انظرونا نقتبس من نوركم } أي انتظرونا لكي نصيب من نوركم فنستنير به ونستضيء . وقال ابن عباس : بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نورا فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان النور دليلا من الله إلى الجنة . فلما رأى المنافقون والمنافقات المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ { انظرونا نقتبس من نوركم } فإنا كنا معكم في الدنيا فقال لهم المؤمنون : { ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } أي ارجعوا وراءكم ، من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور .

قوله : { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } والمراد بالسور ، حائط يحول بين شق الجنة وشق النار ، قيل هو الأعراف . ولهذا السور باب لأهل الجنة يدخلون منه ، وباطن السور وهو الشق الذي يلي الجنة { فيه الرحمة } أي الجنة . { وظاهره } يعني ما ظهر لأهل النار منه ، من جهته { العذاب } أي النار .

فالمراد بذلك سور يضرب يوم القيامة ليفصل بين المؤمنين والمنافقين ويكون بينهم حاجزا . فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلام والعذاب ، وقد كانوا في الدنيا في جهالة وكفران وباطل .