تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ} (13)

وحدة الرسالات

{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ( 13 ) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ( 14 ) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( 15 ) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ( 16 ) } .

المفردات :

شرع لكم من الدين : بين لكم من الدين ، وأظهر ، وقضى ، وأوحى لكم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

وصى : أمر أمرا لازما .

أقيموا الدين : حافظوا عليه ، المراد بالدين : دين الإسلام ، وهو توحيد الله تعالى وطاعته ، والإيمان برسله واليوم الآخر ، وسائر ما يكون به العبد مؤمنا ، وقيل : أقيموا الدين ، أي : اجعلوا الدين قائما بالمحافظة عليه وتقويم أركانه .

ولا تتفرقوا فيه : لا تختلفوا فيه .

كبر : عظم وشقّ عليهم .

يجتبى : يصطفى .

ينيب : يرجع عن الكفر ، ويختار طريق التوحيد والهداية .

التفسير :

13- { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ( 13 ) } .

جاءت الأديان كلها من عند الله تدعو إلى الإيمان ، وتحث على مكارم الأخلاق ، وتحبذ الفضائل ، وتحذر من الرذائل ، وتفيد هذه الآية ما يأتي :

الله الذي أنزل عليك الوحي يا محمد ، وبين لك حقيقة الدين ، وكما أوحى إليك أوحى إلى نوح ومن جاء بعده من الرسل ، وهو سبحانه الذي أنزل الوحي على إبراهيم وموسى وعيسى ، أي رؤساء الأديان الإلهية الكبرى .

{ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه . . . }

أي : اجعلوا الدين قائما بالمحافظة على أركانه ، أو آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأقيموا أحكام الدين ولا تختلفوا فيه .

قال القرطبي :

{ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه . . . }

المراد : اجعلوا الدين قائما مستمرا محفوظا ، من غير خلاف فيه ، ولا اضطراب في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة ، وهي : التوحيد ، والصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج وغيرها ، فهذا كله مشروع دينا واحدا ، وملة متحدة .

{ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه . . . }

عظم على المشركين وشق عليهم ، دعوتكم لهم إلى توحيد الخالق سبحانه وتعالى ، وفي معنى ذلك قوله تعالى على لسانهم : { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } . ( ص : 5 ) .

{ الله يجتبي إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب } .

من أطاع الله واختار شريعته ومنهاجه قربه الحق سبحانه إليه ، وهداه إلى بابه ما دام قد أناب ورجع إلى الله .

وفي معنى ذلك قوله تعالى : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين } . ( الزمر : 22 ) .

ملحق بتفسير الآية

تفيد هذه الآية تلاقي الديانات في الأصول العامة ، وهي : التوحيد ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وتحريم الكبر والزنا ، وإيذاء الخلق ، والاعتداء على الحيوانات ، واقتحام الدناءات ، وما ينافي المروءات ، ونحو ذلك من الكمالات ، فهذا كله مشروع دينا واحدا ، وملة متحدة ، لم يختلف على ألسنة الأنبياء في الأصل ولا في الصورة4 .

جاء في التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر :

والذي ينبغي اعتباره – ولا مجال للشك فيه – أن رسالات الأنبياء جميعا متفقة في أصول العقائد ومطلق العبادات ، والأمر بإثبات الفضائل واجتناب الرذائل ، وقد تختلف في الفروع أو في بعضها تبعا لتقادم الأزمان ، ولمقتضيات الأطوار وتطور أحوال الإنسان ، كما تختلف في أسلوب الأداء في رسالة عن رسالة أخرى5 .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ} (13)

قوله تعالى :{ شرع لكم من الدين } بين وسن لكم ، { ما وصى به نوحاً } وهو أول أنبياء الشريعة . قال مجاهد : أوصيناك وإياه يا محمد ديناً واحداً . { والذي أوحينا إليك } من القرآن وشرائع الإسلام ، { وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى } واختلفوا في وجه الآية : فقال قتادة : تحليل الحلال وتحريم الحرام . وقال الحكم : تحريم الأمهات والبنات والأخوات . وقال مجاهد : لم يبعث الله نبياً إلا أوصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة . فذلك دينه الذي شرع لهم . وقيل : هو التوحيد والبراءة من الشرك . وقيل : هو ما ذكر من بعد ، وهو قوله : { أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة . { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } من التوحيد ورفض الأوثان ثم قال : { الله يجتبي إليه من يشاء } يصطفي لدينه من عباده من يشاء ، { ويهدي إليه من ينيب } يقبل إلى طاعته .