مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{۞شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ} (13)

شَرَعَ } بين وأظهر { لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى } أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد ومن بينهما من الأنبياء عليهم السلام ، ثم فسر المشروع الذي اشترك هؤلاء الأعلام من رسله فيه بقوله { أَنْ أَقِيمُواْ الدين } والمراد إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء وسائر ما يكون المرء بإقامته مسلماً ، ولم يرد به الشرائع فإنها مختلفة قال الله تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا } [ المائدة : 48 ] . ومحل { أَنْ أَقِيمُواْ } نصب بدل من مفعول { شَرَعَ } والمعطوفين عليه ، أو رفع على الاستئناف كأنه قيل وما ذلك المشروع ؟ فقيل : هو إقامة الدين { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } ولا تختلفوا في الدين قال علي رضي الله عنه : لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب . { كَبُرَ عَلَى المشركين } عظم عليهم وشق عليهم { مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } من إقامة دين الله والتوحيد { الله يَجْتَبِى } يجتلب ويجمع { إِلَيْهِ } إلى الدين بالتوفيق والتسديد { مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } يقبل على طاعته