فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ} (13)

{ *شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى } .

الله الولي ، المبدئ المعيد ، بديع السماوات والأرض . السميع البصير ، الرزاق العليم ، بيّن لنا وسنّ . وأوضح وشرع من العهد والميثاق ما عهد به إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى . يقول بعض المفسرين : . . . أوصيناك يا محمد ونوحا دينا واحدا ، يعني في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة ، وهي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج ، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال ، والزّلف إليه بما يَرُدُّ القلب والجارحة إليه ، والصدق والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة وصلة الرحم ، وتحريم الكفر والقتل والزنى ، والأذية للخلق كيفما تصرفت ، والاعتداء على الحيوان كيفما دار ، واقتحام الدناءات ، وما يعود بحرم المروءات ، فهذا كله مشروع ، دينا واحدا وملة متحدة ، لم تختلف على ألسنة الأنبياء ، وإن اختلفت أعدادهم . . اه .

{ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }

فليستقر هذا الدين بينكم وليستمر ولتصونوه وتقيموه فيكم من غير خلاف فيه ولا اضطراب ، فتوحيد الله وطاعته ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله وبيوم الجزاء ، وبسائر ما يكون به المكلف مسلما ، هذا هو الدين الذي دعت إليه كل الرسل ، لكن الشرائع تختلف فيما وراء هذا من معان حسبما أراده الله مما اقتضت المصلحة واتجهت الحكمة إلى تشريعه في كل زمن ولكل أمة حسب أحوالها .

{ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } .

شقّ على الكفار وعظم ثقل ما تناديهم إليه من التوحيد وعهود الله ومطالب الدين ومواثيقه .

{ الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب( 13 ) } .

ومهما أعرضوا عن الحق ، ومالوا عن الهدى ، وعملوا على إطفاء نور الإسلام ، فإن الله يأبى إلا أن يظهر دينه ، ويُعزّ جنده ، ويختار لدين الحق من يريد ، ويشرح له صدر من يرجع إلى طريق مولاه .