جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{۞شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ} (13)

{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى } أي : ظهر وسن لكم من الدين ، دين نوح وهو أول{[4444]} أنبياء الشريعة ، محمد وهو آخرهم ، ومن بينهما من أولي العزم { أن أقيموا الدين } بدل من مفعول شرع ، أو " أن " مفسرة بمعنى : أي { ولا تتفرقوا فيه } المراد إقامة دين الإسلام وعدم الاختلاف فيه ، أي : في التوحيد والطاعة ونحو ذلك من الأصول ، لا الشرائع العملية المختلفة باختلاف مصالح الأمم { كبر } : عظم وشق { على المشركين ما تدعوهم إليه } من ترك الشرك { الله يجتبي } : يصطفي { إليه } : إلى الله { من يشاء ويهدي إليه من ينيب } : من يقبل إليه ، وقيل : يجتبي من جبى الخراج أي : جمعه ؛ لأن الكلام في عدم التفرق يناسب الجمع والانتهاء إليه ، وضمير إليه للدين


[4444]:وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال في حديث الشفاعة المشهور الكبير: " ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض" [جزء من حديث الشفاعة الطويل، أخرجاه في الصحيحين]، وهذا صحيح لا إشكال فيه، كما أن آدم أول رسول نبي بغير إشكال إلا أن آدم لم يكن معه إلا نبوة ولم تفرض الفرائض، ولا شرعت له المحارم، إنما كان شرعه تنبيه على بعض الأمور، واقتصارا على ضرورات المعاش، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء واستمر إلى نوح، فبعثه الله بتحريم الأمهات والبنات والأخوات ووظف عليه الواجبات وأوضح له الآداب والديانات، ولم يزل ذلك بالتأكيد بالرسل ويتناصر بالأنبياء عليهم السلام واحدا بعد واحد وشريعة إثر شريعة، حتى ختمها بخير الملل ملتنا على لسان أكرم الرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم /12 فتح