بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ} (13)

قوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مّنَ الدين } قال مقاتل : أي بيّن لكم الدين ، وهو الإسلام . و { مِنْ } هاهنا صلةِ وقال الكلبي : اختار لكم من الدين . ومعناه : اختار لكم ديناً من الأديان ، وأكرمكم به .

ثم قال : { مَا وصّى بِهِ نُوحاً } يعني : الدين الذي أمر به نوحاً أن يدعو الخلق إليه ، وأن يستقيم عليه ، { والذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } يعني : الذي أوحينا إليك بأن تدعو الناس إليه : { وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ } يعني : والدين الذي أمرنا به { إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى } ثم بيّن ما أمرهم به ، فقال : { أَنْ أَقِيمُواْ الدين } يعني : أقيموا التوحيد ، { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } يعني : لا تختلفوا في التوحيد ، { كَبُرَ عَلَى المشركين } يعني : على مشركي مكة { مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } وهو التوحيد . وقال أبو العالية : { أَنْ أَقِيمُواْ الدين } قال : الإخلاص لله في عبادته ، لا شريك له ، ولا تتفرقوا فيه . قال : لا تتعالوا فيه ، وكونوا عباد الله إخواناً { كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } يعني : الإخلاص لله تعالى .

ويقال : { أَنْ أَقِيمُواْ الدين } يعني : ارفقوا في الدين . اتفقوا ولا تتفرقوا فيه . يعني : لا تختلفوا فيه ، كما اختلف أهل الكتاب .

ثم قال : { الله يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء } أي : يختار لدينه من يشاء ، من كان أهلاً لذلك ، { وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } يعني : يرشد إلى دينه ، من يقبل إليه . ويقال : يهدي من كان في علمه السابق أنه يتوب ويرجع . ويقال : { مَن يُنِيبُ } يعني : من يجتهد بقلبه . كما قال : { والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } .