الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ} (13)

ثم قال تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا } ( أي : بين الله لكم أيها الناس من الدين ما وصى به نوحا ){[60730]} أن يعمله .

{ والذي أوحينا إليك } يا محمد ، أي : وشرع لكم من الدين الذي أوحينا إليك يا محمد ، وهو كتاب الله عز وجل .

ثم قال تعالى : { وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين } أي : وشرع لكم من الدين أن أقيموا الدين .

( فأن ) في موضع نصب على البدل من ( ما ) في قوله : { ما وصى به نوحا } . فالتقدير : شرع لكم أن أقيموا الدين{[60731]} .

ويجوز أن يكون ( أن ){[60732]} في موضع ( رفع على معنى هو : أن أقيموا الدين{[60733]} .

ويجوز أن تكون في موضع خفض على البدل من الهاء في{[60734]} ( به ) ){[60735]} قال أبو العالية : الذي وصى به نوحا الإخلاص لله عز وجل ، وعبادته لا شريك له .

قال الحكيم{[60736]} : جاء نوح{[60737]} بالشريعة وتحريم الأمهات والبنات والأخوات{[60738]} .

وقال قتادة : جاء نوح بالشريعة بتحليل الحلال وتحريم الحرام{[60739]} .

وقوله : { أن أقيموا الدين } : معناه : اعملوا به على ما شرع لكم وفرض عليكم .

وقال السدي : اعملوا{[60740]} ولا تتفرقوا فيه ( فتختلفوا فيه ){[60741]} كما اختلف الأحزاب من قبلكم{[60742]} .

فتحقيق المعنى في [ الآية : { شرع لكم } ]{[60743]} أن أقيموا{[60744]} [ لله الدين ]{[60745]} الذي ارتضاه لأنبيائه ، ولا تتفرقوا فتؤمنوا ببعض الرسل وتكفروا ببعض . وهذا الدين هو الإسلام .

ومذهب أكثر المفسرين أن نوحا صلى الله عليه وسلم أول من جاء بالشريعة من تحريم الأمهات ، والبنات ، والأخوات ، والعمات{[60746]} .

ثم قال تعالى : { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } أي : عظم يا محمد على المشركين من قومك ما تدعوهم إليه من الإخلاص لعبادة الله عز وجل ، والإقرار له بالألوهية ، والبراءة مما سواه من الألهة .

وقال قتادة : كبر على المشركين شهادة ألا إله إلا الله{[60747]} .

ثم قال تعالى : { الله يجتبي إليه من يشاء } أي : يصطفي لدينه من يشاء من خلقه ، ويختار لولايته ودينه من أحب ، قال السدي : يستخلص من يشاء ، وقال أبو العالية : يخلص من الشرك من يشاء .

والتقدير : الله يجتبي إليه من يشاء أن يجتبيه .

ثم قال تعالى : { ويهدي إليه من ينيب } أي : ويوفق للعمل بطاعته من يتوب إليه من الشرك .

وقوله : { وعيسى } وقف إن جعلت ( أن أقيموا ) في موضع رفع على الابتداء ، فإن جعلت ( أن ) بدلا مما قبله لم تقف{[60748]} إلا على { في } أو على : { إليه }{[60749]} .


[60730]:ساقط من (ح).
[60731]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/645، وجامع البيان 25/10، وإعراب النحاس 4/74، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/346، وجامع القرطبي 16/10.
[60732]:في طرة (ت).
[60733]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/645، وجامع البيان 25/10، وإعراب النحاس 4/74، وجامع القرطبي 16/10.
[60734]:(ت): إلى ضافي.
[60735]:(ح): خفض على البدل من الهاء في (به) ويجوز أن تكون في موضع رفع على معنى هو: (أن أقيموا الدين). وانظر مشكل إعراب القرآن 2/645، وجامع البيان 25/20، وإعراب النحاس 4/74، وجامع القرطبي 16/10. وقد عقب مكي علي هذا الوجه الإعرابي في مشكل إعراب القرآن بأن فيه بُعدا.
[60736]:هو محمد بن علي بن الحسن بن بشر، أبو عبد الله، الحكيم الترمذي باحث صوفي، له إلمام بالحديث وأصول الدين. نفي من ترمذ لتصينفه كتابا خالف فيه ما عليه أهلها. فاتهموه بالكفر. توفي سنة 320 هـ. انظر الرسالة المستطرفة 43، والآعلام 6/272.
[60737]:(ح): نوح صلى الله عليه وسلم.
[60738]:انظر جامع القرطبي 16/11، وقال النحاس في إعرابه 4/75: هذا مذهب جماعة من أهل التفسير. وتبنى ابن العربي في أحكامه هذا التفسير دون إشارة إلى صاحبه 4/1666.
[60739]:انظر: جامع البيان 25/10، والمحرر الوجيز 14/209، وجامع القرطبي 16/11.
[60740]:(ح): معناه: اعملوا.
[60741]:(ح): فتختلفون.
[60742]:انظر جامع البيان 25/10.
[60743]:(ت): شرع لكم في الآية.
[60744]:(ح) (تقيموا).
[60745]:(ح): (الله الذين).
[60746]:ورد هذا التفسير في الدر المنثور 7/340 عن الحكم.
[60747]:انظر جامع البيان 25/11، والمحرر الوجيز 14/210، وجامع القرطبي 16/11، والجوهر الحسان (5).
[60748]:(ت) : لم يقف.
[60749]:قال بهذا النحاس في القطع والإئتناف 639، وانظر المكتفى 502، ومنار الهدى 281.