الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ} (13)

وقوله سبحانه : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً } الآية ، المعنى : شرع لكم وبَيَّنَ مِنَ المعتقدات والتوحيدِ ما وصى به نوحاً قَبْلُ .

وقوله : { والذي } عطف على { مَا } ، وكذلك ما ذكر بَعْدُ مِنْ إقامة الدِّينِ مشروعٌ اتفقت النُّبُوَّاتُ فِيهِ ؛ وذلك في المعتَقَدَاتِ ، وأَمَّا الأحكامُ بانفرادها فَهِيَ في الشرائعِ مختلفةٌ ، وهي المرادُ في قوله تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا } [ المائدة : 48 ] وإقامة الدين هو توحيدُ اللَّهِ ورَفْضُ سِوَاهُ .

وقوله تعالى : { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ } : نَهْيٌ عن المُهْلَكِ مِنْ تفرُّق الأنحاء والمذاهب ، والخيرُ كُلُّه في الأُلْفَةِ واجتماع الكلمة ، ثم قال تعالى لنبيِّه عليه السلام : { كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } : من توحيد اللَّه ورَفْضِ الأوثان ؛ قال قتادة : كَبُرَ عليهم لا إله إلا اللَّه وأبى اللَّه إلاَّ نَصْرها ، ثم سَلاَّه تعالى عنهم بقوله : { الله يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ } الآية ، أي : يختار ويصطفي ؛ قاله مجاهد وغيره و{ يُنِيبُ } يرجع عنِ الكُفْرِ ويحرص على الخير ويطلبه .